للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك".

فقال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة, فلا تجد علي في نفسك, فقال: "سل عمَّا بدا لك" , فقال: أسألك بربك ورب من قبلك، آلله


النداء. انتهى.
وقال الزركشي: بفتح الهمزة للنداء ونصب النون؛ لأنه مضاف لا على الخبر ولا الاستفهام؛ لقوله: "قد أجبتك"، وفي رواية: يا ابن عبد المطلب، وردَّه الدماميني بأنه لا دليل في شيء مما ذكر على تعين فتح الهمزة، فإن ثبت رواية، وإلّا فلا مانع أن همزة الوصل التي في ابن سقطت للمدرج، وحرف النداء محذوف، وهو في مثله قياس مطَّرد باتفاق، "فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: قد "أجبتك"،" أي: سمعتك، أو المراد: إنشاء الإجابة، أو نزل تقريره للصحابة في الإعلام عنه منزلة النطق، وهذا لائق بمراد البخاري، وقيل: لم يقل له نعم؛ لأنه لم يخاطبه بما يليق بمنزلته من التعظيم، لا سيما مع قوله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور: ٦٣] الآية، والعذر عنه إن قلنا: قدم مسلمًا أنه لم يبلغه النهي، وكانت فيه بقية من جفاء الأعراب، وقد ظهر ذلك بعد في قوله: فمشدد عليك، "فقال: إني سائلك", وللأصيلي وابن عساكر: فقال الرجل: إليَّ سائلك، "فمشدد" بكسر الدال الأولى المثقَّلة، والفاء عاطفة على سائلك, "عليك في المسألة فلا تجد" بكسر الجيم، والجزم على النهي من الموجدة، أي: لا تغضب "عليَّ في نفسك".
قال الحافظ: ومادة وجد متحدة الماضي والمضارع، مختلفة المصادر بحسب اختلاف المعاني، ففي الغضب موجدة، والمطلوب وجودًا والضالة وجدانًا، والحب وجدًا -بالفتح، والمال وجدًا -بالضم، والغني جدة -بكسر الجيم وخفة الدال مفتوحة على الأشهر في جميع ذلك، وفي المكتوب: وجادة وهي مولدة، "فقال: "سل ما بدا"، ظهر "لك"، فقال: أسألك بربك" أي: بحق ربك "ورب من قبلك" زاد مسلم: ومن رفع السماء، وبسط الأرض، وغير ذلك من المصنوعات، ثم أقسم عليه به أن يصدقه عما يسأل عنه، وكرّر القسم في كل مسألة، تأكيدًا وتقريرًا للأمر، ثم صرَّح بالتصديق، فكل ذلك دليل على حسن تصرفه، وتمكن عقله, ولهذا قال عمر: ما رأيت أحدًا أحسن مسألة، ولا أوجز من ضمام، وقد وقع عند مسلم عن أنس: كنا نهينا في القرآن أن نسأل رسول اله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية، العاقل فيسأله ونحن نسمع.
زاد أبو عوانة: وكانوا أجراء على ذلك منا، يعني: إن الصحابة واقفون عند النهي، وأولئك يعذرون بالجهل، وتمنَّوه عاقلًا ليكون عارفًا بما يسأل عنه، وظهر عقل ضمام في تقديمه الاعتذار

<<  <  ج: ص:  >  >>