للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال الرجل: آمنت بما جئت به, وأنا رسول مَنْ ورائي من قومي, وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر.


وأغرب ابن التين، فقال: لم يذكره؛ لأنه لم يكن فرض، وكان الحامل له على ذلك ما جزم به الواقدي، ومحمد بن حبيب؛ أنَّ قدوم ضمام كان سنة خمس، فيكون قبل الحج، لكنه غلط من أوجه:
أحدها: إن في رواية مسلم: إنه كان بعد نزول النهي في القرآن عن سؤال الرسول، وآية النهي في المائدة ونزولها متأخر جدًّا.
ثانيها: إن إرسال الرسل للدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية، ومعظمه بعد الفتح.
ثالثها: إن في القصة أنَّ قومه أوفدوه، وإنما كان معظم الوفود بعد فتح مكة.
رابعها: إن في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه، ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم تدخل بنو سعد ابن بكر، وهو ابن هوازن, في الإسلام إلّا بعد وقعة حنين، وكانت في شوَّال سنة ثمان، فالصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع، وبه جزم ابن إسحاق، وأبو عبيدة وغيرهما، ويدل له رواية أحمد، والحاكم عن ابن عباس: بعثت بنو سعد ضمامًا وافدًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم، فقدم علينا؛ لأن ابن عباس إنما قدم المدينة بعد الفتح، وغفل البدر الزركشي فقال: لم يذكر الحج؛ لأنه كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم، وكأنَّه لم يراجع صحيح مسلم, فضلًا عن غيره.
"فقال الرجل: آمنت بما جئت به" يحتمل أن يكون إخبارًا، وهو اختيار البخاري، ورجَّحه عياض، وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتًا منه ما أخبر به رسول إليهم؛ لقوله عند مسلم: إن رسولك زعم، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني: أتتنا كتبك وأتتنا رسلك، واستبط منه الحاكم أصل صلب علوّ الإسناد؛ لأنه سمع ذلك من الرسول وآمن وصدّق، ولكنَّه أراد أن يسمع ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مشافهة، ويحتمل أن قوله: آمنت, إنشاء، ورجَّحه القرطبي، قال: والزعم القول الذي لا يوثق به، قال ابن السكيت وغيره وفيه نظر؛ لأنه يطلق على القول المحقّق أيضًا، كما نقله أبو عمرو الزاهد في شرح فصيح شيخه ثعلب، وأكثر سيبويه من قوله: زعم الخليل في مقام الاحتجاج، وأما تبويب أبي داود عليه: باب المشرك يدخل المسجد، فليس مصيرًا منه إلى أنَّ ضمامًا قدم مشركًا، بل وجهه أنهم تركوا شخصًا قادمًا يدخل المسجد من غير استفسار، ومما يؤيد أنه إخبار أنه لم يسأل عن دليل التوحد، بل عن عموم الرسالة، وعن شرائع الإسلام، ولو كان إنشاءً لطلب معجزة توجب التصديق، قاله الكرماني، وعكسه القرطبي، فاستدلَّ به على صحة إيمان المقلد للرسول، ولِمَ لَمْ تظهر له معجزة، وكذا أشار إليه ابن الصلاح، "وأنا رسول" بإضافته إلى "مَنْ" بفتح الميم, موصولة "ورائي مِن" بكسر الميم "قومي", ويجوز تنوين رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>