للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"من شففكم وقرب غياثكم".

فقال الأعرابي: يا رسول الله، ويضحك ربنا -عز وجل؟ فقال: "نعم".

قال الأعرابي: لن نعدمك من رب يضحك خيرًا.

فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله, وصعد المنبر فرفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه


لا تعجبي يا هند من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
"من شففكم" بفتح الشين المعجمة والفاء: اسم من الإشفاف، والمراد به: أقصى ما وجدوه من الضيق، كما في الشامي، ومقضتاه أنه بفاءين، ويفيده كلام القاموس والصحاح، كذا قال شيخنا هنا، وضبطه في المقصد التاسع بالفاء والقاف، فقال، أي: خوَّفكم، يقال: أشفقت من كذا حذرت، وفي الصحاح: أشفقت عليه، فأنا مشفق وشفيق، وإذا قلت: شفقة منه، فإنما تعني حذرته، وأصلهما واحد، ومثله في القاموس أ. هـ.
وقد زاد في العيوان: وأزلكم -بفتح الهمزة، وإسكان الزاي، أي: ضيقكم، وهو يؤيد الثانية قاف لا فاء؛ لأن الأصل تباين العطف، "وقرب غياثكم" بضم القاف، وسكون الراء مخفوض عطفًا على شفقكم، والمعنى: إن الله يضحك من حصول الفرج لكم متصلًا بشدة الضيق، وهذا قاله -صلى الله عليه وسلم- قبل صعود المنبر، والدعاء، فيكون علمه بالوحي، فبشرهم به، "فقال الأعرابي: يا رسول الله, ويضحك ربنا -عز وجل؟ فقال: "نعم"، قال الأعرابي: لن نعدمك" بفتح النون، وسكون العين، وفتح الدال، كما في الصحاح، والقاموس، والمختار، والمصباح: إنه من باب طرب، وبه ضبط الكرماني وغيره، وقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا نعدمك من صاحب المسك، إما تشتريه أو تجد ريحه"، فضبط الشامي -بكسر الدال- لا يعوَّل عليه على أنه كتب بهامش نسخته بخطه يحرر، فأفاد أنه كتبه على عجل، ليراجعه بعد "من رب يضحك خيرًا" أي: لا ننفي عنك خيرًا من رب يضحك، لما جرت له العادة, إنَّ العظيم إذا سُئِلَ شيئًا فضحك، أو نظر السائل نظرة جلوة حصل له ما يؤمله منه، "فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله وصعد" بكسر العين مضارعة بفتحها "المنبر".
زاد في الرواية: وتكلم بكلمات "فرفع يديه حتى ريء" براء مكسورة، فهمزة مفتوحة، ممدود، أو بضم الراء، وكسر الهمزة. "بياض إبطيه" وهو من خصائصه دون غيره.
قال أبو نعيم: بياض إبطيه من علامات نبوَّته, وقد وقع في هذه الرواية، وكان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلّا رفع الاستسقاء، ومثله في الصحيحين من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>