ومعنى البيتين: هو الذي كمل باطنه في الكمالات، وظاهره في الصفات، ثم اختاره خالق الإنسان حبيبًا، لا شريك له في الحسن، وجوهره لا يقبل القسمة بينه وبين غيره، كما أنَّ الجوهر الفرد المتوهم في الجسم، ويقول المتكلمون: الجسم مركَّب منه؛ غير منقسم بوجه، لا بالفرض، ولا بالوهم، ومن كان موصوفًا بكمال الصفات ظاهرًا وباطنًا كان محبوبًا، قاله الشيخ خالد، وإلى نحوه يومئ قول المصنف، "يعني" الناظم بقوله: جوهر الحسن، "حقيقة الحسن" لا مقابل العرض من الأشياء التي تقوم بأنفسها من الموجودات الخارجية، "الكامل"، قَيِّدَ به لإفادة أنه المختص به، فلا ينافي وجود أصله في نحو الأنبياء، "كائنة فيه؛ لأنه الذي تَمَّ معناه"، تعليل لوجود الكامل فيه "دون غيره، وهي غير منقسمة بينه وبين غيره وإلا لما كان حسنه تامًّا؛ لأنه إذا انقسم لم ينقله إلّا بعضه فلا يكون تامًّا"، فحاصله: إن الانقسام المنفي أن يعطى نوعًا من الحسن، وغيره آخر منه، فيكون منقسمًا بينهما، بل أعطي -صلى الله عليه وسلم- أعلى الصفات اللائقة بالبشر، وشاركه غيره في الاتّصاف ببعضها، فيكون ذلك البعض مشتركًا، وتميز المصطفى بالزيادة التي لم يؤتها غيره، كما قال ابن المنير وغيره في حديث: "أعطي يوسف شطر الحسن"، يتبادر إلى بعض الأفهام أنَّ الناس يشتركون في البعض الآخر، وليس كذلك، بل المراد أنه أوتي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا -صلى الله عليه وسلم، فإنه بلغ الغاية ويوسف شطرها. "وفي الأثر" المأثور، المنقول عن السلف؛ "أنَّ خالد بن الوليد خرج في سرية من السرايا، فنزل ببعض الأحياء، فقال له سيد ذلك الحي: صف لنا محمدًا، فقال: أما إني أفصّل فلا" لعجزي عن التفصيل؛ لأن صفاته لا يمكن الإحاطة بها، "فقال الرجل: أجمل"، أي: اذكرها مجملة، "فقال: الرسول على قدر المرسل"، أي: حالة تليق به، وهو رسول الله، بعثه لتبليغ أحكامه، فمن لازمه أنه بالغ الغاية، فكل ما تصور فيه من كمال دون ما ثبت له، فإن الملك إذا بعث رسولًا لقضاء ما يريد، إنما يرسل من يقدر على ذلك؛ بحيث يكون ذا مرتبة شريفة، وتصرُّف تام، ولا يلزم منه مساواته لبقية الرسل؛ لأن عموم رسالته ونسخها لشرائع من قبله، يقتضي رتبة