للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبوصيري حيث قال أيضًا:

أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ... للقرب والبعد فيه غير منفحم

كالشمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكل الطرف من أمم

وهذا مثل قوله أيضًا:

إنما مثلوا صفاتك للنا ... س كما مثل النجوم الماء

وأشار بقوله "تظهر" إلى وجه التشبيه بالشمس لا مطلقًا، ولقد بَيِّنَ عيب التشبيه بها على الإطلاق أبو النواس -عفا الله عنه


الأبوصيري؛ حيث قال أيضًا: أعيا" أعجز "الورى" الخلق "فهم" معرفة "معناه" حاله، فليس يرى"، يبصر "للقرب والبعد فيه، غير منفحم"، من نفخم إذا سكت عن الجدال، ولم يجب، "كالشمس تظهر للعينين من بعد" بضم العين- لغة، لا تبعًا لضم الباء, ضد قرب، "صغيرة" قدر المآة أو الترس "وتكل" بضم فكسر: توقف "الطرف" البصر عند رؤيتها "من أمم" بفتح الهمزة والميم الأولى، أي: قرب لو فرض ذلك لكبرها جدًّا، فتكاد تخطف الطرف وتعميه، فلا تدرك لكمالها، وكذلك المصطفى لا يدرك، معناه: في حالتي القرب والبعد، وإن شوهدت صورته، "وهذا" المعنى الذي ذكره في البردة، "مثل قوله أيضًا" في الهمزية، "إنما مثلوا" صوروا، أي: الأنبياء، أو الواصفون "صفاتك" جمع صفة، وهو ما دَلَّ على معنى زائدة على الذات "للناس" تمثيلًا، "كما مَثَّل" فهو نعت مصدر محذوف، "النجوم الماء" حيث يرى فيه دون حقيقته، يعني: إن واصفيه لم يبلغوا حقيقته -صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لم يحيطوا بها، وإنما غاية ما وصلوا إليه تصوير صورها الحاكية لمباديها، كما أن الماء لم يحك من النجوم إلا مجرد صورها لا غير، "وأشار بقوله: تظهر إلى وجه التشبيه بالشمس" فإنه من حيث الظهور "لا مطلقًا"؛ لأنه لا يشبه بها من كل وجه لعيوب فيها، هو منَزَّه عنها، "ولقد بَيِّنَ عيب التشبيه بها على الإطلاق أبو النواس" الحسن بن هانئ بن عبد الأوّل، شاعر ماهر من شعراء الدولة العباسية، له أخبار عجيبة، ونكت غريبة، وخمريات أبدع فيها، وسئل عن نسبه، فقال: أغناني أدبي عن نسبي، مات سنة أربع وتسعين ومائة، "عفا الله عنه"، وقد رؤي بعد موته، فقيل: ما فعل الله بك، قال: غفر لي بأبيات قلتها في مرضي، وهي تحت الوسادة، فنظرت، فإذا تحتها رقعة مكتوب فيها بخطه:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعًا ... فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ... وجميل عفوك ثم إني مسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>