للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أن ركبًا يمموك لقادهم ... نسيمك حتى يستدل به الركب

وعن أنس قال: كان رسول -صلى الله عليه وسلم- إذا مَرَّ في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب وقالوا: مَرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الطريق. رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح. وما أحسن قول من قال:

يروح على غير الطريق التي غدا ... عليها فلا ينهى علاه نهاته

تنفسه في الوقت أنفاس عطره ... فمن طيبه طالبت له طرقاته

تروح له الأرواح حيث تنسمت ... لها سحرًا من حبه نسماته


من قال: ولو أن ركبًا يمَّموك" قصدوك "لقادهم" أي: دلهم "نسيمك" أي: رائحة بدنك "حتى يستدل به الركب"، فشبَّه الدلالة بأخذ قياد الدابة والمشي أمامها، فهو استعارة تبعية، "وعن أنس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا مَرَّ في طريق من طرق المدينة وجدوا منه" أي: الطريق "رائحة الطيب" على أثره، على ظاهر قول جابر قبله، فيتبعه أحد، "وقالوا: مَرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الطريق"؛ لأن القلب الطاهر الحي يشم منه رائحة الطيب، كما أن القلب الخبيث الميت يشم منه رائحة النتن؛ لأن نتن القلب والروح يتصل بباطن البدن أكثر من ظاهره، والعرق يفيض من الباطن، فالنفس الطيبة يقوى طيبها، ويفوح عرف عرقها، حتى يبدو على الجسد، والخبيثة بضدها، كذا قال بعضهم: "رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح، وما أحسن قول من قال" في هذا المعنى:
يروح على غير الطريق التي غدا ... عليها فلا ينهى علاه نهاته
تنفسه في الوقت أنفاس عطره ... فمن طيبه طابت له طرقاته
تروح له الأرواح حيث تنسمت ... له سحرا من حبه نسماته
عن عائشة: كنت قاعدة أغزل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخصف نعله، فجعل جبينه يعرق، وجعل عرقه يتولّد نورًا، فبهت, فقال: "ما لك بهتِّ"؟، قلت: جعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نورًا، ولو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره؛ حيث يقول:
ومبرًا من كل غبر حيضة ... وفساد مرضعة وداء مغيل
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ... برقت بروق العارض المتهلل
رواه ابن عساكر، وأبو نعيم، والخطيب بسند حسن، وأبو كبير -بموحدة- عامر بن الحليس -بمهملتين- مصغَّر، وقيل: ابن جمرة, وراء, جاهلي، وغبر -بمعجمة وموحدة وراء بلا نقط، أي: بقية, وحيضة -بكسر الحاء، أي: لم تحمل به في بقية الحيض، ولا حملت عليه في حالة رضاعه، فيفسد رضاعه، والمغيل بوزن مكرم بالكسر، من الغيل، بفتح المعجمة، وسكون

<<  <  ج: ص:  >  >>