للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صدور الأعداء، منصورًا بالرعب منهم على مسيرة شهر، فكان وصفه بالعِظَم أولى ليشمل الإنعام والانتقام.

وقال الجنيد: وإنما كان خلقه -صلى الله عليه وسلم- عظيمًا؛ لأنه لم يكن له همة سوى الله تعالى.

وقيل: لأنه -عليه الصلاة والسلام- عاشر الخلق بخلقه، وباينهم بقلبه.

وقيل: لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، قال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه الطبراني في الأوسط بسند فيه عمر بن إبراهيم المقدسي -وهو ضعيف- عن جابر بن عبد الله: إن.......


من هاب "في صدور الأعداء، منصورًا بالرعب منهم" حال من الأعداء "على مسيرة شهر"، كما ورد في الحديث، لأنه لم يكن بينه وبين أعدائه حينئذ أكثر من شهر من كل جهة، "فكان وصفه بالعِظَم" دون الكرم "أولى؛ ليشمل الإنعام والانتقام".
"وقال الجنيد"، أبو القاسم بن محمد, النهاوندي الأصل، البغدادي المنشأ، القواريري الزجاج، نسبة لحرفة أبيه، سيد الطائفة، مرجع أهل السلوك، تفقه على أبي ثور، وكان يفتي بحضرته وهو ابن عشرين سنة، ورزق من القبول وصواب القول ما لم يقع لغيره، كان إذا مرَّ ببغدد وقف الناس له صفوفًا، وكانت الكتبة تحضر مجلسه لألفاظه، والفقهاء لتقريره، والفلاسفة لدقة نظره، والمتكلمون لتحقيقه، والصوفية لإشارته وحقائقه، مات ببغداد سنة تسع أو ثمان وتسعين ومائتين، وحزر من صلى عليه، فكانوا نحو ستين ألفًا. "وإنما كان خلقه -صلى الله عليه وسلم- عظيمًا؛ لأنه لم يكن له همة سوى الله تعالى" أي: سوى الاشتغال بامتثال أمره ونهيه، وتعظيمه, بالإقبال بجملته على عبادته، فلا يقبل على غيره طرفة عين. "وقيل: لأنه -عليه الصلاة والسلام- عاشر الخَلْقَ بخُلُقه" فكان يتكلم معهم في أمور دنياهم، من مزيد تلطفه بهم، وإن اقتضى الحال المزاح مازحهم، ولا يقول إلّا حقًّا كما قال زيد بن ثابت: كنت جار النبي -صلى الله عليه وسلم، وكنا إذ ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا. رواه البيهقي.
"وباينهم بقلبه"؛ إذ هو مقبل على الله، منزه عمَّا يشغل سرّه عنه، متبتل إليه بشراشره، "وقيل: لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، قال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه الطبراني في الأوسط" على الصواب، وعزاه الديلمي لأحمد عن معاذ، وما رأيته فيه، إنما فيه حديث أبي هريرة الآتي, أفاده السخاوي "بسند فيه عمر بن إبراهيم المقدسي -وهو ضعيف- عن جابر بن

<<  <  ج: ص:  >  >>