للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطبع المتنافر المتباعد، وكيف ساسهم واحتمل جفاهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم وآباءهم وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم وأحباءهم، من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلم منها سير الماضين، تحقق أنه أعقل العالمين، ولما كان عقله -عليه الصلاة والسلام- أوسع العقول, لا جرم اتسعت أخلاق نفسه الكريمة اتساعًا لا يضيق على شيء.

فمن ذلك: اتساع خلقه العظيم في الحلم والعفو مع القدرة, وصبره -عليه الصلاة والسلام- على ما يكره، وحسبك صبره وعفوه على الكافرين المقاتلين المحاربين له في أشد ما نالوه به من الجراح والجهد بحيث كُسِرت رباعيته، وشُجَّ وجهه يوم أحد، حتى صار الدم يسيل على وجهه الشريف، حتى شَقَّ ذلك على أصحابه شديدًا،.........................................................


الناد "والطبع المتنافر المتباعد، و" تأمل "كيف ساسهم" ملكهم بحسن تصرفه فيهم، واستجلاب قلوبهم، "واحتمل جفاهم" غلظتهم، وفظاظتهم، "وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم، وآباءهم، وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطائهم" جمع وطن مكانهم ومقرّهم، "وأحباءهم من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلم منها سير الماضين، تحقق أنه أعقل العالمين" جواب قوله: ومن تأمل إلخ ...
"ولما كان عقله -عليه الصلاة والسلام- أوسع العقول، لا جرم" أي: حقًّا "اتسعت أخلاق نفسه الكريمة، اتساعًا لا يضيق عن شيء", ولا جرم في الأصل بمعنى لا بُدَّ ولا محالة، ثم كثرت، فحولت إلى معنى القسم، وصارت بمعنى حقًّا، ولذا تجاب باللام نحو لا جرم، ولا فعلنَّ، قاله الفراء، كما في المصباح، "فمن ذلك اتساع خلقه العظيم، في الحلم والعفو مع القدرة، وصبره -عليه الصلاة والسلام- على ما يكره، وحسبك" أي: يكفيك في الدلالة على كماله في ذلك، "صبره وعفوه على الكافرين، المقاتلين، المحاربين له في أشد ما نالوه به" متعلق بقوله: صبره وعفوه، "من الجراح والجهد، بحيث كسرت رباعيته" اليمني السفلى -بفتح الراء، وخفة الموحدة- السن التي تلي التثنية، من كل جانب وللإنسان، أربع رباعيات، وكان الذي كسرها عتبة بن أبي وقاص، وجرح شفته السفلى، "وشج وجهه" شجه عبد الله بن قميئة "يوم أحد" حتى صار الدم يسيل على وجهه الشريف، فصار ينشفه، ويقول: "لو وقع شيء منه على الأرض لنزل عليهم العذاب من السماء"، "حتَّى شق ذلك على أصحابه شديدًا" غاية لقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>