وقالوا: لو دعوت عليهم، فقال:"إني لم أبعث لعانًا، ولكني بعثت داعيًا ورحمة، فقال: اللهم اغفر لقومي، أو اهد قومي فإنهم لا يعلمون".
قال ابن حبان: أي: اللهم اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي, لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقًا؛ إذ لو كان كذلك لأجيب، ولو أجيب لأسلموا كلهم. كذا قال رحمه الله.
وقد روي عن عمر أنه قال في بعض كلامه:........................
يسيل، "وقالوا: لو دعوت عليهم" لأجبت، أو للتمني، "فقال: إني لم أبعث لعانًا" مبالغًا في اللعن، أي: الإبعاد عن الرحمة، والمراد نفي أصل الفعل، نحو {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} ، يعني: لو دعوت عليهم لبعدوا عن رحمة الله، ولصرت قاطعًا عن الخبر، مع إني لم أبعث بهذا "ولكني بعثت داعيًا ورحمة" لمن أراد الله إخراجه من الكفر إلى الإيمان، أو لأقرِّب الناس إلى الله وإلى رحمته، لا لأُبعدهم عنها، فاللعن منافٍ لحالي، فكيف ألعن، ثم لم يكتف بذلك حتى سأل الله لهم الغفران، أو الهداية، "فقال: "اللهم اغفر لقومي" بإضافتهم إليه إظهارًا، لسبب شفقته عليهم، فإن الطبع البشري يقتضي الحنوَّ على القرابة بأي حال، ولأجل أن يبلغهم ذلك فتنشرح صدورهم للإيمان، "أو أهد قومي" ليست أو للشك، بل إشارة لتنويع الرواية، أي: إن في رواية اغفر، وأخرى اهد، ثم اعتذر عنهم بالجهل، بقوله: "فإنهم لا يعلمون" أنَّ ما جئت به هو الحق، ولم يقل: يجهلون تحسينًا للعبارة، ليجذبهم بزمام لطفه إلى الإيمان، ويدخلهم بعظيم حلمه حرم الأمان، مع أنه إنما هو جهل حكمي، وإن لم يكن بعد مشاهدة الآيات البينات عذر، لكنّه تضرع إلى الله أن يمهلهم حتى يكون منهم، أو من ذريتهم مؤمنون، وقد حقق الله رجاءه واستشكلت رواية اغفر بقوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} ، فإنها وإن كانت خاصة السبب، فهي عامَّة في حق كل مشرك، وأجيب بأنه أراد الدعاء لهم بالتوبة من الشرك، حتى يغفر لهم بدليل رواية اهد، وأراد مغفرةً تصرف عنهم عقوبة الدنيا من نحو: خسف ومسخ، قاله السهيلي، واستشكلت الروايتان معًا بأن دعاءه مقبول، ولم يسلم جميعهم، وجوابه قوله: "قال ابن حبان: أي: "اللهم اغفر لهم ذنبهم في شج وجهي"، لا أنه أراد الدعاء لهم بالمغفرة مطلقًا؛ إذ لو كان كذلك لأجيب، ولو أجيب لأسلموا كلهم، كذا قال رحمه الله" تبرأ منه، لاحتمال حمل دعائه لهم على المجموع، لا كل فرد، أي: اغفر لجنس، أو لبعض قومي، أو أراد غير الشرك، أو صرف عقوبة الدنيا، فنفيه، وتعليله مع هذه الاحتمالات لا ينهض, "وقد روي عن عمر" مما ساقه في الشفاء، وقال السيوطي: لا نعرف عن عمر في شيء في كتب الحديث "أنه قال في بعض كلامه" الذي بكى به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته، وهو دليل على ظهور حلمه بين صحبه