للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التألم بما يفعل بها، ولهذا شقَّ عليه -صلى الله عليه وسلم- نسبته إلى الجور في القسمة، لكنه -عليه الصلاة والسلام- حلم على القائل وصبر لِمَا علم من جزيل ثواب الصابر, وأن الله يأجره بغير حساب.

وصبره -عليه الصلاة والسلام- على الأذى إنما هو فيما كان في حق نفسه، وأما إذا كان لله فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة, كما قال له تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ٧٣] .....................................


للانتقام من المؤلم، ومع ذلك، فهو -صلى الله عليه وسلم- لكمال حلمه تحمَّله من فاعله فلم ينتقم منه، "ولهذا شقَّ عليه -صلى الله عليه وسلم- نسبته إلى الجور في القسمة" يوم حنين آثر ناسًا فيها ليؤلفهم، فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله، فأخبره ابن مسعود، فتغيِّر وجهه، ثم قال: "فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله"، ثم قال: "يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
رواه مسلم والبخاري، عن ابن مسعو، وسمَّى الواقدي، الرجل القائل: معتب بن قشير المنافق، وعند أبي الشيخ وغيره، عن جابر، أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل يقبض يوم حنين من فضة في ثوب بلال، ويفرقها، فقال له رجل: يا نبي الله, أعدل، فقال: "ويحك, من يعدل إذ أنا لم أعدل؟ قد خبت، وخسرت إن كنت لا أعدل"، فقال عمر: ألا أضرب عنقه؟، فإنه منافق, فقال: "معاذ الله أن تتحدث الناس أني أقتل أصحابي"، "لكنه -عليه الصلاة والسلام- حَلُم" -بفتح فضم- صفح وستر "على القائل، وصبر" عطف جزء على كل صرح به؛ لأنه مقصودة هنا بالثناء على النبي -صلى الله عليه وسلم، وفي الشامية الحلم حالة توقير، وثبات في الأمور، وتصبّر على الأذى، لا يستَفز صاحبه الغضب عند الأسباب المحركة له، ولا يحمله على الانتقام، وهو شعار العقلاء، "لما علم من جزيل ثواب الصابر" من إضافة الصفة للموصوف، أي: ثواب جزيل معَدٌّ للصابر، "وإن الله يأجره" بضم الجيم، وكسرها، "بغير حساب" تفسير لثواب الصابر الجزيل؛ إذ الثواب العطاء بلا حساب، "وصبره -عليه الصلاة والسلام" استئناف في جواب سؤال، أكان صبره في سائر الأحوال، أم يختلف باختلافها؟، فأجاب بأنه يختلف، فصبره "على الأذى، إنما هو فيما كان في حق نفسه، وأما إذا كان لله، فإنه يمتثل فيه أمر الله" لم يقل، فإنه لا يصبر عليه، إشارة إلى أن انتهاك حرماته تارة، كانت تفعل على وجه، لا يفيد معه الشدة، وتارة بخلاف ذلك "من الشدة" بالكسر، اسم من الاشتداد، أي: يفعل ما أمر به، وإن كان فيه تشديد على مستحقه، لكن بعد المبالغة في الرفق، كما في البيضاوي، "كما قال تعالى" مثال للأمر بالشدة، لا لنفسها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} بالسيف، "والمنافقين" باللسان والحجة، {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} بالانتهار

<<  <  ج: ص:  >  >>