للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإقامة حجته، وتمهيدًا لهداية محجته، وتأبيدًا لسيادته في كل أمة، وتسديدًا لمن ادَّكر بعد أمة، مما تتبعه يخرج عن مقصود الاختصار؛ إذ هو باب فسيح المجال منيع المنال، لكنِّي أنبِّه من ذلك على نبذة يسيرة، وأنوه في أثنائها بجملة خطيرة. فأقول وما توفيقي إلّا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

أمَّا معجزة انشقاق القمر، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: ١] ................................................................


"لسيادته في كل أمة" جماعة من الناس، سواء كانت من أتباعه، أم لا؛ لأن غير أتباعه وإن أنكروا رسالته، فذلك عناد واستكبار؛ لأن براهين رسالته قطيعة لا تنكر فهم، وإن أنكروها بألسنتهم، فقلوبهم تعترف لها قهرًا عليهم، كما قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} الآية. "وتسديدًا" بسين مهملة، تقوية وتنبيهًا "لمن ادَّكر بعد أمَّة:" جماعة من الزمان، أي: مدة طويلة، أي: لمن تذكَّر بعد غفلته عن اتباع الحق مدة طويلة، لاستغراقه في شهوات نفسه، "مما تتَّبعه، يخرج" هذا الكتاب، "عن مقصود الاختصار؛ إذ هو باب فسيح" واسع "المجال" بجيم, "منيع" ممتنع, "المنال" بالنون، أي: ما يراد حصوله منه على الوجه التام، ممنوع لا يمكن الوصول إليه، "لكني أنبِّه من ذلك على نبذة" بضم النون "يسيرة: وأنوّه" أعظم "في أثنائها بجملة خطيرة" -بمعجمة فمهملة- متفعة القدر والمنزلة، "فأقول، وما توفيقي" قدرتي على ذلك وغيره من الطاعات, "إلّا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب" أرجع, اقتباس لطيف.
"وأما معجزة انشقاق القمر،" أي: أما الدليل على ثبوت المعجزة التي هي انشقاق القمر، "فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز" {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} الآية، قربت ودنت القيامة، {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} الآية. بالفعل آية المصطفى، وقدم اقتراب الساعة عليها تخويفًا لمنكري ذلك، وإثباتًا له، وتقريرًا في نفوس المؤمنين لها؛ إذ فيها تشقق السموات، فالقادر على ذلك الفعَّال لما يريد، كيف لا يقدر على شق القمر.
وقد روى ابن مردويه عن ابن مسعود: قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} الآية. يقول: كما شققت القمر، كذلك أقيم الساعة، وقيل: اقتربت أخص من قربت، فيدل على المبالغة في القرب؛ لأن افتعل يدل على اعتمال ومشقة في تحصيل الفعل، فهو أخص مما يدل على القرب بلا قيد، والمعنى: صارت قريبة من بعثته -صلى الله عليه وسلم، كما في حديث: "بعثت أنا والساعة كهاتين" وأشار بأصبعين الوسطى والسباب؛ لأن التفاوت بينهما مقدار سبع، وبعثه -صلى الله عليه وسلم- في الألف

<<  <  ج: ص:  >  >>