للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن القمر لم ينشقّ لغير نبينا -صلى الله عليه وسلم, وهو من أمهات معجزاته -عليه السلام, وقد أجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه لأجله -صلى الله عليه وسلم، فإن كفَّار قريش لما كذبوه ولم يصدقوه, طلبوا منه أيةً تدل على صدقه في دعواه، فأعطاه الله هذه الآية العظيمة، التي لا قدرة للبشر على إيجادها، دلالة على صدقه -عليه السلام- في دعواه الوحدانية لله تعالى، وأنَّه منفرد بالربوبية، وأن هذه الآلهة التي يعبدونها باطلة لا تنفع ولا تضر، وأن العبادة إنما تكون لله وحده لا شريك له.


ليلة أربع أو خمس، ثم اتَّصلا فصار في شكل أترجّة إلى أن غاب، وأخبرني بعض من أثق به، أنه شاهد ذلك ليلة أخرى، نقله البيهقي.
قال الحافظ: ولقد عجبت من البيهقي كيف أقرّ هذا مع إيراده حديث ابن مسعود، المصرح بأن المراد بقوله تعالى: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} الآية. أن ذلك وقع في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم, فإنه ساقه هكذا عن ابن مسعود في هذه الآية، قال: انشقَّ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث ابن مسعود: لقد مضت آية الدخان والروم، والبطش، وانشقاق القمر، انتهى.
"واعلم: أن القمر لم ينشق لغير نبينا -صلى الله عليه وسلم" لما طلب الكفار آية. وأخرج عبد بن حميد, وابن مردويه، والحاكم، وصحَّحه البيهقي في الدلائل، عن ابن مسعود، قال: رأيت القمر منشقًّا بشفتين مرتين بمكة قبل مخرج النبي -صلى الله عليه وسلم, شقة على أبي قبيش، وشقة على السويداء، والمراد بمخرجه: هجرته إلى المدينة، كما في رواية عبد الرزاق، لا بعثته "وهو من أمهات معجزاته -عليه السلام،" أي: معجزاته التي هي كالأمهات لغيرها مما دونها، "وقد أجمع المفسرون وأهل السنة على وقوعه لأجله -صلى الله عليه وسلم" حكاه القاضي عياض مؤيدًا له بأن الله أخبر بوقوعه بلفظ الماضي، وإعراض الكفرة عن آياته، واعترض بأن الحسن البصري قال: المراد سينشق، نقله عنه النسفي وأبو الليث، ولعله لم يصحّ عنه، أو شذَّ به على تكذيبه، فلا يعتد به في خرق إجماعهم، "فإن كفار قريش لما كذبوه ولم يصدقوه" أي: واستمروا على تكذيبه، فلم يرجعوا عمَّا هم فيه من الغي والضلال، بل زادوا طغيانًا، "طلبوا منه آية"، هي انشقاق القمر، كما يأتي أنَّ الوليد ومن معه قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فشق لنا القمر، والأحاديث تفسّر ببعضها، وخير ما فسَّرته بالوارد، فليس المراد مطلق آية "تدل على صدقه في دعواه" جواب لما، "فأعطاه اله تعالى هذه الآية العظيمة التي لا قدرة للبشر على إيجادها, دلالة على صدقه -عليه السلام- في دعواه الوحدانية لله تعالى، وأنه منفرد بالربوبية، وأن هذه الآلهة" بزعمهم "التي يعبدونها باطلة لا تنفع ولا تضر" نفسها، فضلًا عن غيرها، "وأن العبادة إنما تكون لله وحده لا شريك له.

<<  <  ج: ص:  >  >>