الجواب: إنه أراد إجماع من يعتدّ به، أمَّا هؤلاء فلا عبرة بخلافهم، وذكر الحافظ برهان الدين الحلبي في النور: إنه كاتب شيخه العراقي بكلام ابن القيم، فلم يرد له جوابًا بالكلية. "ولعل قائل مرتين أراد به فرقتين" كما قال ابن كثير، "وهذا" كما قال الحافظ: "الذي لا يتجه غيره جمعًا بين الروايات", فإنها إذا كثرت ودلَّت على شيء وخالفها رواية أخرى ترد إليها إذا أمكن دفعًا للتعارض على القاعدة, " وقد وقع في رواية البخاري من حديث ابن مسعود:" انشقَّ القمر، ونحن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنَى. وفي رواية مسلم: بينما نحن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنَى إذا انفلق القمر، "وهذا لا يعارض قول أنس: إن ذلك كان بمكة؛ لأنه" أي: أنسًا، "لم يصرح بأنه -عليه السلام- كان ليلتئذ بمكة، فالمراد: إن الانشقاق كان وهُمْ بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، والله أعلم". زاد الحافظ: وعلى تقدير تصريحه فمِنَى من جملة مكة، فلا تعارض، وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد، فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود، قال: انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكة قبل أن يصير إلى المدينة، فوضح أن مراده بذكر مكة، الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة، ويجوز أن يقع وهُمْ ليلتئذ بمِنَى، ثم قال: والجمع بين قول ابن مسعود تارة بمِنَى، وتارة بمكة، إم باعتبار التعدد إن ثبت، وإما بالحمل على أنه كان بمِنَى, ومن بها لا ينافي أنه بمكة؛ لأن من كان بمِنَى كان بمكة من غير عكس، ويؤيده أن الرواية التي فيها بمِنَى قال فيها: ونحن بمِنَى، والتي فيها بمكة لم يقل فيها، ونحن إنما, قال: انشقَّ بمكة، أي: إنه كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وبهذا يندفع دعوى الداودي أن بين الخبرين تضادًّا، انتهى. وقال بعضهم: الذي تحرَّر في الجمع بين روايات مِنَى ومكة، وأنَّ حراء كان بين الفلقتين، وإن إحداهما كانت فوق الجبل والأخرى دونه، أن يقال: إنه تباعد ما بين الفلقتين جدًّا، ليكون أظهر في دفع الإنكار، فإنه لو تقارب لقالوا: إنه من غلط الحس، فلمَّا أشهدهم -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، أشار مرة إلى فلقة منه، وقال: "اشهد يا فلان ويا فلان" ثم أراهم مرة أخرى فلقة أخرى.