للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل لك أن نجعل لك منبرًا تقوم عليه يوم الجمعة، ويسمع الناس خطبتك؟ قال: "نعم"، فصنع له ثلاث درجات، هي التي على المنبر،.........................................


أبي داود وغيره بإسناد جيد، أن تميمًا قال له -صلى الله عليه وسلم- لما كثر لحمه، ألا نتخذ لك منبرًا يحمل عظامك, قال: "بلى" فاتخذ منبرًا، الحديث. ولا تصريح فيه بأن صانع المنبر تميم، بل روى ابن سعد، أن تميمًا لم يعمله، وأشبه الأقوال بالصواب أن صانعه ميمون؛ لكونه من رواية سهل بن سعد، أخرجه قاسم بن أصبغ، وأبو سعد في الشرف، وهو مولى امرأة من الأنصار، كما في الصحيح، وقيل: مولى سعد بن عبادة، فكأنه في الأصل مولى امرأته، ونسب إليه مجازًا، واسمها فكيهة بنت عمة عبيد بن دليم، أسلمت وبايعت، وأمَّا الأقوال الأخرى أن صانعه تميم، أو بأقوال باللام أخره، أو الميم الرومي، أو صباح -بضم المهملة، وخفة الموحدة، أو قبيضة، أو مينا -بكسر الميم, أو صالح مولى العباس، أو إبراهيم أو كلاب مولى العباس، فلا اعتداد بها لوهائها، ويبعد جدًّا الجمع بينها، بأنَّ النجار كانت له أسماء متعددة، واحتمال كون الجميع اشتركوا في عمله يمنع منه قوله في كثير من الروايات: لم يكن بالمدينة إلا نجار واحد يقال له ميمون، إلّا أن يحمل على أن المراد واحد في صناعته، والبقية أعوانه، فيمكن كما بسطه في فتح الباري، وقدمته في المقصد الأول مبسوطًا.
"هل لك أن نجعل منبرًا تقوم عليه يوم الجمعة", فتستريح من القيام على الجذع، ويسمع الناس خطبتك" أقوى من سماعهم وأنت على الأرض، "قال: "نعم" , فصنع له ثلاث درجات هـ التي على المنبر، أي: فوقه؛ لأنه كان ثلاثة درجات إلى أن زاده مروان بن الحكم في خلافة معاوية ست درجات, وسبب ذلك أن معاوية كتب إليه أن يحمل المنبر إليه من المدينة إلى الشام، فأمر به، فقلع فأظلمت المدينة، وانكسفت الشمس حتى رأو النجوم, فخرج مروان فخطب فقال: إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه، فدعا نجارًا، فزاد فيه ست درجات، وقال: إنما زدت فيه حين كثر الناس، أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة من طرق.
قال ابن النجار: واستمرَّ على ذلك إلى أن احترق مسجد المدينة، سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق.
قال السيوطي: وكان ذلك إشارة إلى زوال دولة آل البيت النبوي بني العباس، فإنها انقرضت عقب ذلك بقليل في فتنة التتار.
قال ابن النجار: ثم جدَّد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين وستمائة منبرًا، ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرًا، فأزيل منبر المظفر فلم يزل منبر بيبرس إلى سنة عشرين وثمانمائة، فأرسل المؤيد شيخ منبرًا، فلم يزل إلى سنة وستين وثمانمائة، فأرسل الظاهر

<<  <  ج: ص:  >  >>