للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى إذا كان بين المغرب والعشاء إذ سمعوا صوت قائل يقول: أنصتوا أنصتوا، فنظروا فإذا الصوت من تحت الثياب، فحسروا عن وجهه وصدره، فإذا القائل يقول على لسانه: محمد رسول الله النبي الأمي خاتم النبيين، لا نبي بعده، كان ذلك في الكتاب الأول، ثم قال: صدق صدق، ثم قال: هذا رسول الله، السلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته. رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب من عاش بعد الموت.

وعن سعيد بن المسيب أن رجلا من الأنصار توفي، فلما كفن أتاه القوم يحملونه


موته؛ لكونه فجأة، فأخروا تجهيزه ودفنه، "حتى إذا كان بين المغرب والعشاء، إذ سمعوا صوت قائل يقول: أنصتوا أنصتوا" بالتكرير للتأكيد، أي: استمعوا، "فنظروا" تأملوا، "فإذا الصوت من تحت الثياب" المسجى بها، "فحسروا" كشفوا "عن وجهه" الغطاء، "وصدره فإذا القائل يقول على لسانه" مقتضى هذا أنه لم يتكلم، بل ملك مثلا، وليس بمراد إذا الكلام في كلام الموتى، وكأنه نسبه لقائل، وإن كان هو المتكلم لموته، ولذا تصرف فيه في الشفاء، فأتى بمعناه المراد، فقال: فرفع وسجى، إذ سمعوه بين العشاءين والنساء يصرخن، يقول: أنصتوا أنصتوا، فقال: "محمد رسول الله، النبي الأمي، خاتم النبيين" أي: آخرهم بعثًا؛ كما مر "لا نبي بعده، كان ذلك" المذكور "في الكتاب الأول" أي: جنسه من الكتب المتقدمة، كالتوراة، أو اللوح المحفوظ، المكتوب فيه كل ما قدره الله، "ثم قال" زيد مخاطبًا من عنده، أو من يصح توجه الخطاب إليه، أو مجردًا من نفسه، مخاطبًا مأمورًا، إن كان قوله: "صدق صدق" أمرًا؛ كما قاله بعض شراح الشفاء، فإن كان ماضيًا، كما اعتمده آخر، فهو ظاهر، أي: صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيما بلغ به عن الله، والتكرير للتأكيد، "ثم قال: هذا رسول الله" فيه أنه حضر عنده وشاهده، فأشار إليه، "السلام عليك يا رسول الله" خص وصف الرسالة بالذكر؛ لانتفاع الأمة بها الذي هو من جملتهم، "ورحمته" إنعامه وإحسانه، أو إرادتهما، "وبركاته" جمع بركة، وهو الخير الإلهي.
وفي الشفاء: وذكر أبا بكر، وعمر، وعثمان، ثم عاد ميتًا، أي: ذكرهم بالثناء عليهم بما فعلوه في خلافتهم، ولذا لم يذكر عليًا؛ لأنه لم يدرك خلافته، إذ موته في زمان عثمان، "رواه أبو بكر" عبد الله "بن أبي الدنيا" القرشي، "في كتاب من عاش بعد الموت" وكذا رواه ابن منده وغيره، وأورد أن الترجمة في معجزته بإحياء الموتى، وكلامهم له عليه الصلاة والسلام بعد الموت، وهذا الحديث ليس من ذلك، إذ هو بعد وفاة المصطفى بدهر، وأجيب بأنه من صحبة وكرامات الأمة، فضلا عن الصحب من جملة كراماته.
"وعن سعيد بن المسيب: أن رجلا من الأنصار توفي، فلما كفن أتاه القوم يحملونه،

<<  <  ج: ص:  >  >>