للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المائدة: ٦٤] فكم أرادوا أن يطفئوا النور بالنار، وأبى الجبار إلا أن يتم نوره وأن يخمد شرورهم ويحمد لمحمد صلى الله عليه وسلم سروره وظهوره.

ويذكر أنه عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج مر على بحر النار الذي دون سماء الدنيا مع سلامته منه، كما روي مما رأيته في بعض الكتب.

وروى النسائي أن محمد بن حاطب


غاية تنهاك عن تطلب غيرها.
"قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} الآية، قال البيضاوي: كلما أرادوا حرب الرسول وإثارة شر عليه، ردهم الله، بأن أوقع بينهم منازعة، كف بها عنه شرهم، أو كلما أرادوا حرب أحد غلبوا، فإنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط الله عليهم بختنصر، ثم أفسدوا، فسلط عليهم قطرس الرومي، ثم أفسدوا، فسلط عليهم المجوس، ثم أفسدوا، فسلط عليهم المسلمين، وللحرب صلة أوقدوا أو صفة نارًا، انتهى. "فكم" للتكثير، أي: فكثيرًا "أرادوا أن يطفئوا النور"، وهو حجته الدالة على وحدانيته وتقدسه عن الولد أن القرآن، أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم "بالنار" أي: محاربتهم ومعاداتهم له صلى الله عليه وسلم، "وأبى الجبار إلا أن يتم نوره" يظهر شرعه وبراهين نبيه وإعلاء دينه، "وأن يخمد" بضم الياء من أخمد، أي: يسكن "شرورهم" ويبطلها، شبه إبطال شرورهم بإطفاء النار، واستعار له الإخماد ثم اشتق منه الفعل، وهو يخمد، فهو استعارة تبعية، أو شبه الشرور بعد إبطالها بنار أطفئ لهبها، ثم أثبت له الإخماد، فهو استعارة بالكناية وتخييلية، "ويحمد لمحمد صلى الله عليه وسلم سروره وظهروه، بالثناء على ما جاء به، وعلى ما حصل له من النصر على أعدائه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣٣] الآية، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على حقية ما جاء به، وهذا النظير والسجع بعده جلبه المصنف من معراج ابن المنير، كغالب هذا المبحث، "ويذكر أنه عليه السلام ليلة المعراج مر على بحر النار" بأن سار مستعليًا عليه، حتى جاوزه "الذي دون سماء الدنيا مع سلامته منه، كما روي مما رأيته في بعض الكتب" والله أعلم بصحته.
"وروى النسائي أن محمد بن حاطب" بن الحارث بن معمر بن حبيب الجمحي، الكوفي، صحابي صغير، ولد بالسفينة قبل أن يصلوا إلى الحبشة، وهو أول من سمي محمدًا في الإسلام، واختلف في أن كنيته أبو القاسم أو أبو إبراهيم، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن علي وعن

<<  <  ج: ص:  >  >>