للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو عبيد: أصل الغين في هذا، ما يغشى القلب ويغطيه، وأصله: من غين السماء، وهو إطباق الغيم عليها.

وقال غيره: الغين شيء يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية، كالغيم الرقيق الذي يعرض في الهواء فلا يمنع ضوء الشمس.

قال القاضي عياض -بعد حكايته لذلك: فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه وفترات نفسه وسهواها عن مداومة الذكر ومشاهدة الحق بما كان صلى الله عليه وسلم دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة.


بحصول الغين مع كثرة الاستغفار، فما الظن بمن ليس كذلك، والجملة حال مقدرة، "انتهى"، لكن الوجه الأول لقاعدة المحدثين أن خير ما فسرته بالوارد.
"وقال أبو عبيد" القاسم بن سلام بالتشديد البغدادي، الإمام المشهور، المصنف، الثقة، الفاضل، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين في غريب الحديث، "أصل الغين" أي: ما وضع له أولا "في هذا ما يغشى" بفتح الياء والشين الخفيفة، أو بضمها وكسر الشين مشددة والأول أظهر "القلب" أي: يعرض له أو يستره "ويغطيه" عطف تفسير، وهو استعارة لما يشغله، "وأصله" أي: ما وضع له أولا مأخوذ "من غين السماء، وهو إطباق الغيم عليها" فأطلق على ما يغشى لاشتراكهما في مجرد التغطية.
"وقال غيره: الغين شيء يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية" أي لا يغطيه كله، "كالغيم الرقيق الذي يعرض في الهواء" أي: في الجو "فلا يمنع ضوء الشمس" لرقته.
"قال القاضي عياض" في الشفاء: "بعد حكايته لذلك" المذكور عن أبي عبيدة وغيره، "فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه وفترات نفسه" أي: فتورها "وسهوها" أي: زوال صورتها عن الفكر، وبين ما غفل عنه من فتور وسهو، فقال "عن مداومة الذكر" أي ذكره الله بلسانه وقلبه، "ومشاهدة الحق" إن أريد به الله تعالى، فالمراد مشاهدته في مزايا مصنوعاته حتى كأنه يراه عيانًا، وإن أريد الحق الثابت المتيقن من العلوم الحقة والأمور اليقينية اللدنية، فهو واضح، ولما كان هذا لا يناسب مقامه صلى الله عليه وسلم، أشار إلى دفعه بما لم يتنبه له المعترض بالتعقب الآتي، فقال: "بما": أي بسبب ما "كان صلى الله عليه وسلم دفع إليه" بالبناء للمجهول، أي: فوض إليه وأعطيه "من مقاساة البشر" أي مكابدتهم، وتحمل مشاقهم "وسياسة الأمة" تدبيرهم وأمرهم بما يصلح شأنهم من ساسه يسوسه إذا قام عليه لإصلاح أموره، وهو لفظ عربي لا معرب،

<<  <  ج: ص:  >  >>