للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعاناة الأهل، ومقاومة الولي والعدو، ومصلحة النفس، وكلفه من أعباء أداء الرسالة وحمل الأمانة، وهو في كل هذا في طاعة ربه، وعبادة خالقه، لكن لما كان صلى الله عليه وسلم أرفع الخلق عند الله مكانة وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حالته عند خلوص قلبه وخلو همته، وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه، ومقامه هنالك أرفع حاليه، رأى عليه السلام حال فترته عنها، وشغله بسواها غضًا.


كما توهم، وهي حكم مخصوص بما يكون بطريق القهر والضبط، "ومعاناة الأهل" أي: تحمل المشاق من جهتهم، أي: الاعتناء بأمورهم والتقييد بما فيه معاشرهم, "ومقاومة الولي" من يواليه ويتبعه، أي: القيام معه بالمناصرة والحفظ "والعدو" بدفع شره وحمله على الإسلام والتمسك بالحق "ومصلحة النفس" أي: نفسه في أمور معاشه، "وكلفه" بالبناء للمفعول، معطوف على دفع إليه "من أعباء" بفتح وإسكان، آخره همز: جمع عبء، بالكسر ويفتح، أي: أثقال حاصله في "أداء الرسالة" وهو ما يكون له في تبليغها ودعوة الخلق، "وحمل" بفتح أوله "الأمانة" أي: ما استودعه الله تعالى من أسراره وإعطاء كل ذي حق حقه، وليس المراد بها طاعة الله التي أوجبها عليه، كما قيل: كذا في النسيم، وحمل شيخنا على ما نفاه، فقال: أي ما كلفه من الأحكام الشرعية، سميت أمانة لوجوب أدائها، كما يجب أاء الوديعة مثلا لمالكها، انتهى، والمثبت أوجه، "وهو" صلى الله عليه وسلم "في كل هذا" المذكور "في طاعة ربه وعبادة خالقه" عطف أخص على أعم، وهذا دفع لتوهم أنه كان اللائق أن لا يشغله شيء عن ذكر ربه ومشاهدته؛ بأنه لم يشغله به لحظوظ نفسانية، ولا لأمور رئاسية، وإنما الله شغله بذلك، فما حصل ذلك إلا لخدمته التي أمره الله بها، ولما ورد عليه إن كان هذا طاعة وعبادة، فلم استغفر منه وجهه على طريق الاستدراك بقوله: "ولكن لما كان صلى الله عليه وسلم أرفع" أعلى "الخلق عند الله مكانة" أي: رتبة ومنزلة، "وأعلاهم درجة" تمييز "وأتمهم" أكملهم "به" أي: الله "معرفة" فهو أعرف بالله ممن سواه، وآخر هذا، لأنه مرتب على ما قبله في المعقول والمحسوس، "وكانت حالته" أمره وشأنه "عند خلوص قلبه" لله، بحيث لا يمر به سواه، "وخلو همته وتفرده بربه" أي: جعل أمره منفردًا بالتوجه لجانبه الأعلى، فيكون قلبه معه وحده في خلوته، فإن ذاكر الله جليس الرحمن، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم "وإقباله بكليته" أي: ذاته كلها قلبًا وقالبًا "عليه، ومقامه هنالك" أي: إقامته مع الله وحده في حظيرة قدس قربه، وأشار بالبعد لعلو مقامه ثمة "أرفع" أي: أعلى "حاليه" أي حال اشتغاله بالظاهر، وحال كونه مع الله، وكل منهما رفيعة، لكن هذه أرفع، "رأى عليه السلام" شاهدًا، وعلم "حال فترته عنها وشغله بسواها" أي: اشتغاله بغيرها "غضًا بمعجمتين،

<<  <  ج: ص:  >  >>