للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

.............................................................................


قال ابن كثير: يشكل عليه خبر مسلم أنه يمكث في الأرض سبع سنين، اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله، وتكون مضافة إلى مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثًا وثلاثين سنة على المشهور، قال في مرقاة الصعود: وقد أقمت سنين أجمع بذلك، ثم رأيت البيهقي قال في كتاب البعث والنشور في هذا الحديث: إن عيسى يمكث في الأرض أربعين سنة، وفي مسلم من حديث عبد الله بن عمرو في قصة الدجال: فيبعث الله عيسى ابن مريم فيطلبه فيهلكه ثم يلبث الناس بعده سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة.
قال البيهقي: ويحتمل أن قوله: ثم يلبث الناس بعده، أي: بعد موته، فلا يكون مخالفًا للأول، انتهى، فترجح عندي هذا التأويل من وجوه، أحدها: إن حديث مسلم ليس نصًا في الإخبار عن مدة لبث عيسى، وخبر أبي داود نص فيها، والثاني: أن ثم تؤيد هذا التأويل، لأنها في التراخي. والثالث: قوله: يلبث الناس بعده، فيتجه أن الضمير فيه لعيسى؛ لأنه أقرب مذكور، والرابع: أنه لم يرد في ذلك سوى هذا الحديث المحتمل، ولا ثاني له، وورد مكث عيسى أربعين سنة في عدة أحاديث من طرق مختلفة، فحديث أبي داود، وهذا هو صحيح، وأخرج الطبراني، عن أبي هريرة مرفوعًا: "ينزل عيسى ابن مريم، فيمكث في الناس أربعين سنة" وأخرج أحمد في الزهد عنه، قال: "يلبث عيسى في الأرض أربعين سنة لو يقول للبطحاء سيلي عسلا لسالت"، وأخرج ي المسند، عن عائشة مرفوعًا في حديث الدجال: "فينزل عيسى فيقتله، ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين سنة إمامًا عادلا وحكمًا مقسطًا". وورد أيضًا من حديث ابن مسعود عند الطبراني: فهذه الأحاديث المتعددة الصريحة أولى من ذلك الحديث الواحد المحتمل، انتهى.
ويؤيده أن حديث رفعه، وهو ابن ثلاث وثلاثين، إنما يروى عن النصارى، فعند الحاكم عن وهب بن منبه، قال: "إن النصارى تزعم"، فذكر الحديث إلى أن قال: "وإنه رفع وهو ابن ثلاث وثلاثين"، وفيه عبد المنعم بن إدريس كذبوه، ولو صح، فهو عن النصارى كما ترى، والثابت في الأحاديث النبوية أنه رفع، وهو ابن مائة وعشرين.
روى الطبراني والحاكم في المستدرك عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه لفاطمة: " إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني بالقرآن العام مرتين، وأخبرني أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف الذي قبله، وأخبرني أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهبًا على رأس الستين". ورجاله ثقات وله طرق، وذكر ابن عساكر؛ أن وفاة عيسى تكون بالمدينة، فيصلي عليه هنالك، ويدفن بالحجرة النبوية، وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام، قال: مكتوب في التوراة صفة محمد وعيسى ابن مريم يدفن معه،

<<  <  ج: ص:  >  >>