للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "وحق لهم، بل غيرهم". قلنا: الأنبياء، قال: "وحق لهم، بل غيرهم"، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانًا".

وروي أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبد الله أن أكتب إلى بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر فأنت أفضل من عمر، لأن زمانك ليس كزمان عمر، ولا رجالك كرجال عمر، قال: وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم.

قال أبو عمر: فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها، التسوية بين أول هذه الأمة وآخرها في فضل العمل، إلا أهل بدر والحديبية. ومن تدبر هذا


"قال: وحق" بفتح الحاء من حق لازمًا، أي: ثبت "لهم"، وبضم الحاء من المتعدي، أثب: أثبت ويبنى منه للمفعول، فيقال: حق لك أن تفعل كذا بالضم؛ كما في القاموس، واقتصر المصباح على اللازم "بل" مرادي "غيرهم" أو غيرهم المراد، فهو بالرفع، ويحتمل النصب بتقدير أريد غيرهم، "قلنا: الأنبياء، قال: "وحق لهم، بل غيرهم"، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانًا" أعاده تأكيدًا، والمراد: من أفضل، فلا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل المؤمنين إسلامًا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا". رواه الطبراني بإسناد حسن.
وروى ابن ماجه، وصححه الحاكم مرفوعًا: "أفضل المؤمنين أحسنهم خلقًا"، ولا قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل المؤمنين إيمانًا المقل، الذي إذا سأل أعطى، وإذا لم يعط استغنى"، رواه ابن ماجه والخطيب، ويجمع بينهما أيضًا باعتبار الجهة، أي: أفضل الخلق من جهة الإيمان بالغيب، وهكذا.
"وروي أن عمر بن عبد العزيز" الإمام العادل "لما ولي الخلافة، كتب إلى الم بن عبد الله" بن عمر، أحد الفقهاء: "أن اكتب إلي بسيرة عمر بن الخطاب لأعمل بها، فكتب إليه سالم: إن عملت بسيرة عمر، فأنت أفضل من عمر؛ لأن زمانك ليس كزمان عمر ولا رجالك كرجال عمر" أي: ولا يمكنك ذلك، لأنه يتصور، فالتعليق على محال.
"قال: وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم"، ترغيبًا له، وحثا على العدل الذي رامه.
"قال أبو عمر" عبد البر بعد ذكر هذا، وأحاديث آخر: "فهذه الأحاديث تقتضي مع تواتر طرقها" تواترًا معنويًا لاتفاقها على تفضيل العامل في أي زمان، "وحسنها" باعتبار المجموع

<<  <  ج: ص:  >  >>