للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أناجيلهم في صدورهم يقرءونها فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة


أناجيلهم" مصاحفهم، أي: ما فيها محفوظ "في صدورهم" أي: قلوبهم.
قال في الإتقان: فيه تسمية القرآن إنجيلا، وروى ابن الضريس وغيره عن كعب، قال: في التوراة يا محمد إني منزل عليك توراة حديثة، تفتح أعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، وقلوبًا غلفًا، ففيه تسمية القرآن توراة، ومع هذا لا يجوز الآن أن يطلق عليه ذلك، وهذا كما سميت التوراة فرقانًا في قوله تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} الآية، وسمى صلى الله عليه وسلم الزبور قرآنًا في قوله: "خفف على داود القرآن". "يقرءونها" وكان من قبلهم يقرءون كتبهم ولا يحفظونها.
قال الربيع بن أنس: نزلت التوراة سبعون وقر، بعير الجزء منها في ستة، لم يقرأها إلا أربعة: موسى، ويوشع، وعزير وعيسى، وبتفسير الأناجيل بالمصاحف يكون تجوز بكتاب عيسى عن بقية الكتب تسمية للمطلق باسم المقيد، ثم استعملها في القرآن خاصة، وجمعه نظرًا إلى أن ما يلفظ به قارئ مغاير لما يلفظ به غيره من حيث التلفظ، وإن كان المقروء واحدًا، إذ القرآن اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتعدد بتعدد محله، فالمقروء على لسانه عليه الصلاة والسلام هو المتلو الآن، والمختلف التلفظ لا نفس الألفاظ، وإلا لكان ما يقرؤه المصطفى غير ما قرأه جبريل، وهو باطل قطعًا، "فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم" أي: ما يصرفونه على أنفسهم وأهاليهم "يؤجرون" أي: يثابون "عليها" ثواب الصدقة بالمال على الغير؛ لأنه ينكف بذلك عن السؤال، ويكف أهله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة، وما أنفق المسلم من نفقة على نفسه وأهله كتب له بها صدقة" الحديث، رواه عبد بن حميد، والحاكم، وصححه عن جابر، وفي كتاب البشر لابن ظفر: هكذا الرواية، يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم، ومعنى ذلك أنهم يطعمونها مساكينهم، ولا يحرقونها، كما كانت الأمم تفعل، وجاء في حديث غير هذا مما هو منسوب إلى كتب الله السالفة: يأكلون قرابينهم في بطونهم، فالمراد بهذا اللفظ الضحايا وما يؤكل من الهدايا، انتهى.
وتبعه بعضهم، فقال: أي يأكلها فقراؤهم الذين هم منهم، وكان من قبلهم إنما تأكل صدقاتهم وقرابينهم نار تنزل من السماء إن كانت مقبولة، وإلا بقيت بحالها، انتهى، وهو وإن صح في نفسه، إلا أن اللفظ والامتنان عليه بذلك ينبو عنه ويبعده، فالحمل الأول أولى لا سيما ويؤيده أحاديث: "فاجعلها أمتي، قال: تلك أمة أحمد، قال: يا رب إني أجد في الألواح أمة

<<  <  ج: ص:  >  >>