للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عذابي، أستجيب لكم قبل أن تسألوني، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله غفرت له ذنوبه".


أبي هريرة مرفوعًا: قال الله تعالى: "سبقت رحمتي غضبي" وفي البخاري، عنه رفعه: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي".
قال في الفتح: في رواية غلبت، والمراد من الغضب لازمه، وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب، والسبق والغلبة باعتبار التعلق، أي: تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب؛ لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة، وأما الغضب، فيتوقف على سابقه عمل من العبد الحادث، وبهذا التقرير يندفع استشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن، كمن يدخل النار من الموحدين، ثم يخرج بالشفاعة وغيرها، وقيل: معنى الغلبة الكثيرة والشمول، تقول: غلب على فلان الكرم، أي: هو أكثر أفعاله، وهذا كله بناء على أن الرحمة والغضب من صفات الذات.
وقال بعض العلماء: إنهما من صفات الفعل، لا من صفات الذات، ولا مانع من تقدم بعض الأفعال على بعض، فتكون الإشارة بالرحمة إلى إسكان آدم الجنة أول ما خلق مثلا، ومقابله ما وقع من إخراجه منها، وعلى ذلك استمرت أحوال الأمم تتقدم الرحمة في حقهم بالتوسيع عليهم في الرزق وغيره، ثم يقع بهم العذاب على كفرهم.
وأما ما أشكل من أمر من يعذب من الموحدين، فالرحمة سابقة في حقهم أيضًا، ولولا جودها لخلدوا أبدًا.
وقال الطيبي: في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم من غير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق، فالرحمة تشمل الشخص جنينًا، ورضيعًا، وفطيمًا، وناشئًا قبل أن يصدر منه شيء من الطاعات، ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك، انتهى.
وفي المصابيح: الرحمة إرادة الثواب، والغضب إرادة العاب، والصفات لا توصف بغلبة، ولا يسبق بعضها بعضًا، لكن هذا ورد على الاستعارة، ولا منع من جعل الرحمة والغضب صفتي فعل لا ذات، فالرحمة الثواب والإحسان، والغضب الانتقام والعذاب، فتكون الغلبة على بابها، انتهى.
"أستجيب لكم قبل أن تسألوني" زيادة في الإكرام، "فمن لقيني منكم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، غفرت له ذنوبه" وفي مسلم، عن عبادة مرفوعًا: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله حرم الله عليه النار".

<<  <  ج: ص:  >  >>