للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن خصائص هذه الأمة أيضًا الوضوء، فإنه لم يكن إلا للأنبياء دون أممهم، ذكره الحليمي، واستدل بحديث البخاري: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء".


{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، والصعيد: ما صعد على الأرض ترابًا أو غيره، وفي حديث جابر في الصحيحين: "وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا" وبهذا احتج لمالك وأبي حنيفة على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض.
وأما قوله في رواية ابن خزيمة وغيره: "وجعل ترابها طهورًا"، وقوله في حديث علي: "وجعل التراب لي طهورًا"، رواه أحمد والبيهقي بإسناد حسن، فالنص على التراب في هاتين الروايتين لبيان أفضليته، لا لأنه لا يجزئ غيره، وليس مخصصًا لعموم قوله: وطهورًا، لأن شرط المخصص أن يكون منافيًا للعام، ولذا قال القرطبي هو من باب النص على بعض أشخاص العموم، كقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} الآية، "ومن خصائص هذه الأمة أيضًا الوضوء، فإنه لم يكن إلا للأنبياء دون أممهم" بخلاف هذه الأمة، فهو لها كنبيها، "ذكره الحليمي" قال السيوطي: وهو الأصح، ونوزع بما يأتي بيانه، "واستدل بحديث البخاري" ومسلم، عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي" أمة الإجابة لا الدعوة، "يدعون" بضم أوله، أي: ينادون أو يمون، ولفظ مسلم: يأتون "يوم القيامة" أي: موقف الحساب، أو الميزان، أو الصراط، أو الحوض، أو غير ذلك "غرًا" بالضم والتشديد، جمع أغر، أي: ذي غرة، بضم الغين، بياض في جبهة الفرس فوق درهم، ثم استعملت في الجمال والشهرة وطيب الذكر، شبه به ما يكون لهم من النور في الآخرة، ونصب مفعول يدعون، أو حالا، أي: إذ دعوا يوم التناد على رءوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف، أو كانوا على هذا النعت.
قال الطيبي: ولا يبعد التسمية باعتبار الوصف الظاهر؛ كما يسمى رجل به حمرة الأحمر، للمناسبة بين الاسم والمسمى، "محجلين" من التحجيل، وهو بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها، أو في غيره قل أو أكثر بعدما تجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين.
"من آثار الوضوء" بضم الواو، وجوز ابن دقيق العيد فتحها على أنه الماء، وظاهر هذا، كقوله في رواية لمسلم: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة، من إسباغ الوضوء" أن هذه السيما إنما تكون لمن توضأ في الدنيا، ففيه رد لما نقله الزناتي الفاسي في شرح الرسالة عن العلمي: إن الغرة والتحجيل لهذه الأمة من توضأ منهم ومن لا؛ كما يقال لهم أهل القبلة من صلى ومن لا. انتهى.
وفي القياس على الإيمان نظر؛ لأنه التصديق والشهادة، وإن ترك الواجب وفعل الحرام،

<<  <  ج: ص:  >  >>