للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخرج أبو داود في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة ليلة حتى ظن الظان أنه قد صلى, ثم خرج فقال: "أعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم".


العشاء ليونس؛ لكن يؤيد خبر الطحاوي حديث معاذ، وهو المذكور بقوله: "وأخرج أبو داود في سننه" في الصلاة، "وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في سننه" بإسناد حسن، "عن معاذ بن جبل، قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة" أي: العشاء الآخرة "ليلة، حتى ظن الظان أنه قد صلى" لفظ الرواية: حتى ظن الظان أنه ليس بخارج، والقائل منا يقول قد صلى، "ثم خرج" فقالوا له كما قالوا: كما في الحديث، أي: القول الذي قالوا قبل خروجه، فقال: "أعتموا" بفتح الهمزة، وكسر الفوقية "بهذه الصلاة" صلاة العشاء. والباء للتعدية، أي: أدخلوها في العتمة، وهي ما بعد غيبوبة الشفق، أو للمصاحبة، أي: ادخلوا في العتمة متلبسين بها، قال البيضاوي: أعتم الرجل: دخل العتمة، وهي ظلمة الليل، أي: صلوها بعدما دخلتم في الظلمة، وتحققتم سقوط الشفق، ولا تستعجلوا فيها، فتوقعوها قبل وقتها، وعليه فلا يدل على أفضلية التأخير، ويحتمل أنه من العتم الذي هو الإبطاء، يقال: أعتم الرجل إذا أخر. انتهى. "فإنكم فضلتم" بالبناء للمفعول "بها على سائر الأمم، ولم تصها أمة قبلكم".
وأورد الحافظ الولي العراقي ما المناسبة بين تأخيرها واختصاصها بنا دون سائر الأمم، حتى يجعل الثاني علة للأول، وأجاب بأن المراد إذا أخروها منتظرين خروج النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في صلاة، وكتب لهم ثواب المصلي، فقوله: فضلتم بها يعارض رواية أن العشاء ليونس، ورواية ابن سعد: أن إبراهيم وإسماعيل أتيا منى، فصليا بها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء, والصبح، وهو ظاهر قول جبريل: هذا وقتك ووقت الأنبياء من قبلك، وجمع الهروي وغيره بأن المصطفى أول من صلاها مؤخرًا لها إلى ثلث الليل أو نحوه، أما الرسل فكانوا يصلونها عند أول مغيب الشفق، ويدل لذلك، بل يصرح به قوله في أثر الطحاوي نفسه العشاء إلا آخره، وجمع البيضاوي في شرح المصابيح؛ بأن العشاء كانت تصليها الرسل ناقلة لهم، ولم تكتب على أممهم كالتهجد، وجب على نبينا دوننا. انتهى.
واحتج بحديث معاذ من قال: الأفضل تأخير العشاء، وإليه ذهب جمع شافعية ومالكية، والمعتمد في المذهبين تفضيل التقديم، وورد ما يدل على نسخ التأخير.
روى أحمد والطبراني بسند حسن عن أبي بكرة، قال: أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء تسع ليال إلى ثلث الليل، فقال له أبو بكر: يا رسول الله لو أنك عجلت لكان أمثل لقيامنا من الليل، فعجل بعد ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>