للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنهم لم يحسدونا على شيء كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها


قالت فهممت أن أتكلم، ثم دخل الثانية، فقال: مثل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دخل الثالثة، فقال: السام عليك، قالت: قلت: بل السام عليكم، وغضب الله إخوان القردة والخنازير، أتحيون رسول الله بما لم يحيه به الله، فنظر إليّ، فقال: "مه إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا: قولا فرددناه عليهم، فلم يضرنا شيئًا ولزمهم إلى يوم القيامة". "وفيه" عقب هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنهم لم يحسدونا" كذا في النسخ، وفي مسند أحمد: لا يحسدونا، فلعله حذف نون الرفع تخفيفًا، وقد اختلف في أن لا تخلص الفعل للاستقبال أم لا "على شيء، كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها" بأن نص لنا عليها أو بالاجتهاد، ويشهد له أثر ابن سيرين في جمع أهل المدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد، ولا يمنع ذلك أنه صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي بمكة، فلم يتمكن من إقامتها، وقد جاء بذلك حديث ابن عباس عه الدارقطني، ولذا جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما ذكر ابن إسحاق وغيره، فحصلت الهداية بجهتي البيان والتوفيق، قاله الحافظ، ملخصًا وأسقط من الحديث هنا قوله: "وضلوا عنها"، أي: لأنه فرض عليهم يوم من الجمعة يقيمون فيه شريعتهم، ووكل إلى اختيارهم، فاختلفوا في أي الأيام؟ وهو لم يهتد، واليوم الجمعة، قاله ابن بطال، وقواه عياض، ورجح الحافظ أنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه، فاختاروا السبت.
فقد روى ابن أبي حاتم عن السدي: أن الله فرض على اليهود الجمعة، فأبوا وقالوا: يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئًا، فاجعله لنا، فجعل عليهم، وليس هذا بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} الآية، وغير ذلك، وهم القائلون: سمعنا وعصينا، وأسقط أيضًا من الحديث قوله: "وعلى القبلة التي هدانا الله لها". أي: بصريح البيان بالأمر المكرر، أولا لبيان تساوي حكم السفر وغيره، وثانيًا للتأكيد، "وضلوا عنها" لأنهم لم يؤمروا باستقبال الصخرة، بل كان عن مشورة منهم، كما عند أبي داود عن خالد بن يزيد بن معاوية، وعنده أيضًا أن يهوديًا خاصم أبا العالية في القبلة، فقال أبو العالية: كان موسى يصلي عند الصخرة، ويستقبل البيت الحرام، وكانت الكعبة قبلته، وكانت الصخرة بين يديه.
وقال اليهودي: بيني وبينك مسجد صالح النبي عليه السلام، فقال أبو العالية: فإني صليت في مسجد صالح وقبلته إلى الكعبة، وفي مسجد ذي القرنين وقبلته إليها.
وفي البغوي في قوله تعالى: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} الآية، روى ابن جريج عن ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>