وقال ابن العربي: شرعت الصفوف في الصلاة ليتذكر الإنسان بها وقوعه بين يدي الله يوم القيامة في ذلك المواطن المهول، والشفعاء من الأنبياء والملائكة والمؤمنين بمنزلة الأئمة في الصلاة يتقدمون الصفوف، وصفوفهم في الصلاة كصفوف الملائكة عند ربها، وقد أمرنا بذلك، وإن كانت الملائكة لا يلزم من خلل صفوفها لو اتفق أن يدخلها خلل كصفوفنا، إذ السماء ليست محلا لدخول الشياطين، وإنما تتراص الملائكة لتناسب الأنوار حتى يتصل بعضها ببعض، فتتنزل متصلة إلى صفوف المصلين، فتعمهم تلك الأنوار، فإن كان فيها خلل ودخلت فيه الشياطين أحرقتهم تلك الأنوار، "رواه مسلم من حديث حذيفة" بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "فضلنا على الناس بثلاث، جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة" ... الحديث، وتقدم بتمامه أول مبحث الخصائص، فيستحب انضمام بعض المصلين إلى بعض، بحيث لا يبقى بينهم فرجة ولا خلل، كأنهم بنيان مرصوص، فإن الشيطان إبليس، أو أعم إذا رأى فرجة دخلها، كما في الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم: "من وصل صفًا وصله الله، ومن قطع صفًا قطعه الله". رواه النسائي، وصححه الحاكم على شرط مسلم، أي: وصله برحمته، ورفع درجته، وقطعه بإبعاده عن ذلك وعن الثواب، فالجزاء من جنس العمل. "ومنها تحية الإسلام" أي: السلام عند التلاقي؛ لأنه فتح باب المودة وتأليف للقلوب، مؤد لكمال الإيمان، وفي مسلم عن أبي هريرة، مرفوعًا: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم". "لحديث عائشة السابق" قريبًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حسدتنا اليهود على شيء ما حسدتنا على السلام والتأمين" ففيه أنه شرع لنا دونهم، وفي مسلم عن أبي ذر في قصة إسلامه: وكنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: "وعليك السلام ورحمة الله". للطبراني والبيهقي عن أبي أمامة، رفعه: "إن الله جعل السلام تحية لأهل ملتنا، وأمانا لأهل ذمتنا"، ولأبي داود عن عمران بن حصين: كنا نقول