للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد


في الجاهلية أنعم الله بك عينًا وأنعم صباحًا، فلما جاء الإسلام نهينا عن ذلك. ورجاله ثقات، لكنه منقطع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان، قال: كانوا يقولون في الجاهلية: حييت مساء، حييت صباحًا، فغير الله ذلك بالسلام، ففي هذا كله أنه خاص بهذه الأمة دون من تقدمهم، لكن عورض بحديث الصحيحين عن أبي هريرة رفعه: "خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعًا، ثم قال له: اذهب، فسلم على أولئك النفر من الملائكة، فاسمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله". الحديث.
قال القرطبي: فيه دليل على تأكيد السلام، وأنه من الشرائع القديمة التي كلف بها آدم، ثم لم ينسخ في شريعة، انتهى، وجمع بأن المراد بالذرية بعضهم، وهم المسلمون، أو المراد تحية ذريته من جهة الشرع، وكلاهما تعسف، وقد ذكر المعارضة في الفتح وما تنزل للجمع.
"ومنها الجمعة" بضم الميم على المشهور، وقد تسكن، وقرأ بها الأعمش، وحكى الواحدي عن الفراء فتحها، وحكى الزجاج الكسر أيضًا، سمي بذلك مع الاتفاق على أنه كان يسمى في الجاهلية العروبة، بفتح المهمة، وضم الراء، وبالموحدة، لأن خلق آدم جمع فيه أصح الأقوال.
قال صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون" زمانًا، "السابقون" أي: الأولون منزلة "يوم القيامة" والمراد أن هذه الأمة وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لهم في الآخرة؛ بأنهم أول من يحشر، وأول من يحاسب، وأول من يقضى بينهم، وأول من يدخل الجنة.
وفي حديث حذيفة عند مسلم: "نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق". وقيل: المراد بالسبق هنا فضيلة، اليوم السابق بالفضل وهو يوم الجمعة، وإن سبق بسبب قبله، لكن لا يتصور اجتماع الأيام الثلاثة متوالية إلا ويكون يوم الجمعة سابقًا، وقيل: المراد بالسبق إلى القبول والطاعة التي حرمها أهل الكتاب، فقالوا: سمعنا وعصينا. قال الحافظ: والأول أقوى.
"بيد" بموحدة، فتحتية ساكنة مثل غير وزنًا ومعنى، وبه جزم خليل والكسائي، ورجحه ابن سيدة، وقال الشافعي: معنى بيد من أجل، واستبعده عياض، ولا بعد فيه، إذ المعنى إنا سبقنا بالفضل، مع تأخرنا في الزمان، بسبب أنهم ضلوا عنها مع تقدمهم، ويشهد له ما وقع في فوائد ابن المقري بلفظ نحن الآخرون في الدنيا، ونحن أول من يدخل الجنة، لأنهم أتوا الكتاب من قبلنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>