وقال القرطبي: المراد بالكتاب التوراة، وفيه نظر لقوله: وأوتينا من بعدهم، فأعاد الضمير على الكتاب، فلو كان المراد التوراة لما صح الإخبار، ولأنا إنما أوتينا القرآن، وسقط من الأصل، وأوتيناه من بعدهم، وهي ثانية في رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان، شيخ البخاري، فيه أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، وكذا مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، وذكره البخاري تامًا بعد أبواب من وجه آخر، عن أبي هريرة: "ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم" كذا للحموي، ورواه الأكثر بإسقاط الجلالة، أي: فرض تعظيمه، وأشير إليه بهذا، لكونه ذكر في أول الكلام عند مسلم من طريق آخر عن أبي هريرة، ومن حديث حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا". قال ابن بطال: ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه، فتركوه لأنه لا يجوز لأحد ترك ما فرض عليه وهو مؤمن، وإنما يدل، والله أعلم, أنه فرض عليهم يوم من الجمعة، وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الأيام هو، ولم يهتدوا ليوم الجمعة، ومال عياض إلى هذا، ورشحه بأنه فرض عليهم بعينه، لقيل: فخالفوا بدل "فاختلفوا فيه" وقال النووي: يمكن أنهم أمروا به صريحًا، فاختلفوا هل يلزم بعينه، أم يسوغ إبداله بيوم آخر، فاجتهدوا في ذلك، فأخطئوا انتهى، ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح، عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} الآية، قال: أرادوا الجمعة فأخطئوا وأخذوا السبت مكانه ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك، وقد روى ابن أبي حاتم عن السدي التصريح بأنه فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا، ولفظه: أن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا، وقالوا: يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئًا فاجعله لنا، فجعل عليهم، وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم، كما وقع لهم في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} الآية، وغير ذلك، وكيف لا وهم القائلون: سمعنا وعصينا، قاله في فتح الباري. قال المصنف: ويشهد له بقوله: هذا يومهم الذي فرض عليهم، فإنه ظاهر، أو نص في