للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

......................................


فأما حديث أبي موسى، فروى مسلم، وأبو داود، عن أبي موسى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة".
وأما حديث ابن سلام، فروى الإمام مالك، وأصحاب السنن، وابن خزيمة، وابن حبان، عن أبي هريرة، أنه قال لعبد الله بن سلام، أخبرني، ولا تضن عليّ، فقال عبد الله بن سلام: "هي آخر ساعة من يوم الجمعة" قال أبو هريرة: قلت: كيف تكون آخر ساعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي"، وتلك ساعة لا يصلى فيها، فقال ابن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي"، قال أبو هريرة: فقلت: بلى، قال: هو ذلك. ولذا استشكل قوله في حديث أبي هريرة السابق وهو قائم، وكان ابن وضاح يأمر بطرحه لأنه لو كان ثابتًا عند أبي هريرة لاحتج به على ابن سلام، ولم يعارضه بأنها ليست ساعة صلاة، وقد ورد النص على الصلاة، وأجابه بالنص الآخر؛ أن منتظر الصلاة في حكم المصلي، وسلم له أبو هريرة الجواب، وارتضاه وأفتى به بعده، وأجيب بحمل الصلاة على الدعاء، أو الانتظار وحمل القيام على الملازمة، أو المواظبة، ولفظ: "وهو قائم"، ثابت عند أكثر رواة الموطأ، وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه.
واختلف السلف في أي الحديثين أرجح، فقال مسلم: حديث أبي موسى أجد شيء من هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة، وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف، فلا يلتفت إلى غيره.
وقال النووي: هو الصحيح، بل الصواب، وجزم في الروضة، بأنه الصواب، ورجح أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا، وفي أحد الصحيحين، ورجح آخرون قول ابن سلام كإسحاق بن راهويه وأحمد، فقال: أكثر الأحاديث عليه. وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب.
وروى سعيد بن منصور، بإسناد صحيح، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن ناسًا من الصحابة اجتمعوا، فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة.
وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني كان يختاره، ويحكيه عن نص الشافعي، وأجابوا بأن الترجيح بما في الصحيحين، أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ؛ كحديث أبي موسى هذا؛ فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب، وبينهما بما يطول، ثم قال: واختار صاحب الهدى انحصارها في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر؛ لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت، وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد، وهو أولى في طريق الجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>