للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإباحة الأكل والشرب والجماع ليلا إلى الفجر، وكان محرمًا على من قبلنا بعد النوم، وكذا في صدر الإسلام ثم نسخ.


المتصوفة: أن حكمة الصوم كسر شهوة البطن والفرج: والسحور قد يباين ذلك.
قال ابن دقيق العيد: والصواب أن من زاد قدره حتى تعدم هذه الحكمة بالكلية لا يستحب، كتأنق المترفين في المآكل، وكثرة الاستعداد لها، وما عداه تختلف مراتبه، انتهى، وقيل: المراد بالبركة نفي التبعية.
روى البزار والطبراني عن ابن عباس مرفوعًا: "ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إن شاء الله إذا كان حلالا: الصائم، والمتسحر، والمرابط في سبيل الله". وذكره في الفردوس، بلفظ: "ثلاثة لا يحاسب عليها العبد: أكلة السحور، وما أفطر عليه، وما أكل مع الإخوان". وقيل: يبارك في قليله، بحيث يعين على الصوم، فروى ابن عدي: "تسحروا ولو بشربة من ماء"، وللطبراني: "ولو بتمرة، ولو بحبات من زبيب" هذا والخصوصيتان للأمة على الأمم، لا على الأنبياء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنا معاشر الأنياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا، ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة". رواه الطيالسي بإسناد صحيح.
"وإباحة الأكل والشرب والجماع" للصائم "ليلا" ولو نام "إلى الفجر" كما قال تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} الآية، "وكان محرمًا على من قبلنا بعد النوم، وكذا كان" محرمًا علينا "في صدر الإسلام، ثم نسخ" روى البخاري عن البراء: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائمًا، فحضر، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صرمة الأنصاري، كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال: هل عندك طعام؟ فقالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عينه، وجاءت امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} الآية، ففرحوا بها فرحًا شديدًا، {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧] .
وأخرج أحمد وابن جرير عن كعب بن مالك، قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل، فأمسى فنام، حرم عليه الطعام والشراب والنساء، حتى يفطر من الغد، فرجع عمر من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده، فأراد امرأته، فقالت: إني قد نمت، قال: وأنا ما نمت ووقع عليها، وصنع كعب بن مالك مثل ذلك، فغدا عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فنزلت الآية.
وروى البخاري عن البراء: لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، فكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: ١٨٧] الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>