روى أحمد، ومسلم، وغيرهما، عن أبي هريرة قال: لما نزلت {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية، اشتد ذلك على الصحابة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجثوا على الركب، وقالوا: قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال: "أتريدون أن تقولوا، كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا، بل قولوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير" فلما اقترأها القوم، وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها {آمَنَ الرَّسُولُ} الآية، فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} الآية، إلى آخرها. وروى مسلم وغيره عن ابن عباس نحوه، وعند الفريابي عن محمد بن كعب، قال: ما بعث من نبي، ولا أرسل من رسول، أنزل عليه الكتاب إلا أنزل عليه هذه الآية: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية، فكانت الأمم تأتي على أنبيائهم ورسلهم ويقولون: نؤاخذ بما تحدث به أنفسنا، ولم تعمل جوارحنا، فيكفرون ويضلون، فلما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم قبلهم، فقالوا: أنؤاخذ بما تحدث به أنفسنا ولم تعمل جوارحنا، قال: "نعم، فاسمعوا وأطيعوا" فذلك قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: ٢٨٥] الآية، فرفع الله عنهم حديث النفس إلا ما عملت الجوارح، "وقد كان بنو إسرائيل إذا نسوا شيئًا مما أمروا به أو أخطئوا في شيء، عجلت لهم العقوبة، فحرم عليهم شيء من مطعم أو مشرب" عقوبة من الله لهم "على حسب ذلك الذنب" من كبر وصغر، "وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع"، وفي رواية: رفع "عن أمتي" أمة الإجابة، فقوله: أمتي دليل على أن ذلك كان على من قبلهم "الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه" حديث جليل، قال بعض العلماء: ينبغي أن