للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى غير ذلك. ولأن الإيمان أخص من الإسلام، كما هو مذهب كثير من العلماء، وليس خاصًا بهذه الأمة، بل يوصف به كل من دخل في شريعة مقرًا بالله وبأنبيائه.


أن هذا الوصف يطلق على الأنبياء والبيت المذكور بيت لوط، ولم يكن فيه مسلم إلا هو وبناته، وهو نبي فصح إطلاقه عليه بالأصالة، وعلى بناته بالتغليب أو على التبعية، إذ لا مانع أن تختص أولاد الأنبياء بخصائص لا يشاركهم فيها بقية الأمة، كما اختصت فاطمة؛ بأنه لا يتزوج عليها وأخوها إبراهيم بأنه لو عاش لكان نبيًا، وذكر أمورًا استظهارًا على ذا الجواب "إلى غير ذلك" كقوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} الآية، وأجاب السيوطي بحمله على التغليب؛ لأنه خاطبهم وفيهم هارون ويوشع، وهما نبيان، فأدرج بقية القوم في الوصف تغليبًا، أو يحمل على أالمراد: إن كنتم متقادين لي فيما آمركم به، قال: والتحقيق الذي قامت عليه الأدلة ما رجحناه من الخصوصية بالنسبة إلى الأمم، وأن كل ما ورد من إطلاق ذلك فيمن تقدم فإنما أطلق على نبي، أو ولده تبعًا، أو جماعة فيهم نبي غلب لشرفه، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} الآية، فإن الحواريين فيهم أنبياء منهم الثلاثة المذكورون في قوله تعالى: {إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} الآية، نص العلماء على أنهم من حواري عيسى، وأحد قولي العلماء، أن الثلاثة أنبياء، ويرشحه ذكر الوحي إليهم؛ "ولأن الإيمان" لكونه التصديق القلبي "أخص من الإسلام" لأنه الانقياد للأحكام المأمور بها، فإن صحبه تصديق قلبي فمسلم فقط تجري عليه أحكام الدنيا، ولا ينفعه ذلك عند الله، "كما هو مذهب كثير من العلماء، وليس خاصًا بهذه الأمة بل يوصف به" أي: بالإيمان "كل من دخل في شريعة مقرًا بالله تعالى وبأنبيائه كما قاله الراغب" فقياس الوصف بالأخص الوصف بالأعم، وجوابه أنه قياس في معرض النصوص الظاهرة بخلافه، فلا يعتبر. وقد حكى السيوطي القولين في تأليف سماه إتمام النعمة، ورجح القول بالاختصاص، وذكر له ثلاثة وعشرين دليلا، منها ما رواه ابن راهويه، وابن أبي شيبة عن مكحول: كان لعمر على رجل حق، فأتاه يطلبه، فقال عمر: لا والذي اصطفى محمدًا على البشر، لا أفارقك، فقال اليهودي: والله ما اصطفاه، فلطمه عمر، فأتى النبي فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم: "بل يا يهودي آدم صفي الله, وإبراهيم خليل الله، وموسى نجي الله، وعيسى روح الله، وأنا حبيب الله، بل يا يهودي تسمى الله باسمين سمى بهما أمتي هو السلام، وسمى أمتي المسلمين، وهو المؤمن, وسمي أمتي المؤمنين" الحديث، وهو صريح في اختصاصنا بوصف الإسلام، وإلا لم يحسن إيراده في معرض التفضيل، إذ كان اليهودي يقول: ونحن وسائر الأمم كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>