للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال الراغب.


وأخرج البخاري في تاريخه، والنسائي، وابن مردويه، عن الحارث الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من دعا بدعوى الجاهلية، فإنه من جثا جهنم" قال رجل: وإن صام وصلى، قال: "نعم، فادعوا الله بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين والمؤمنين عباد الله". ولابن جرير عن قتادة: ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة، فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله, ويعدهم الخير حتى يجيء الإسلام، فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فصريحه اختصاص الإسلام بنا لفرقه بينه وبين الإيمان المتعلق بأهل الأديان، وقوله تعالى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} الآية، دليل على الخصوص، وإلا لقال: الكتابيون نحن مسلمون وديننا الإسلام، وذكر في آخره قول السبكي: القصد من تكثير الأدلة أن الآية الواحدة والآيتين قد يمكن تأويلها، ويتطرق لها الاحتمال، فإن كثرت قد تترقى إلى حد يقطع بإرادتها ظاهرًا، ونفي الاحتمال والتأويل، قال: ولذا ذكرت ثلاثة وعشرين دليلا؛ لأن كلا على انفراده يمكن تأويله، وتطرق الاحتمال، فلما كثرت غلب على الظن إرادة ظاهرها، ونفي الاحتمال والتأويل، وعبرت بغلب على الظن دون القطع، لأجل ما عارضها من الآيات التي استدل بها للقول الآخر.
ومنها: قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} الآية، والجواب أن مسلمين اسم فاعل مراد به الاستقبال على حقيقته، وهو الأصل لا الحال ولا الماضي الذي هو مجاز، والتقدير: إنا كنا من قبل مجيئه عازمين على الإسلام به إذا جاء لما كنا نجده في كتبنا، ويرشحه أن السياق يرشد إلى أن قصدهم الإخبار بحقية القرآن، وإنهم كانوا على قصد الأسلام به إذا جاء به صلى الله عليه وسلم لما عندهم من صفاته وقرب زمانه، وليس قصدهم الثناء على أنفسهم، بأنهم كانوا بصفة الإسلام؛ لأنه ينبو عنه المقام أو يقدر في الآية: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} الآية، توصف الإسلام سببه القرآن لا التوراة والإنجيل ويرشحه ذكر الصلة في قوله: {قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} الآية، فدل على أنها مراده في الثانية، وحذفت كراهة لتكرارها مرتين في آية واحدة لذكرها في قوله: {آمَنَّا بِهِ} الآية، أو وصفهم به من أول أمرهم اعتبارًا بما ختم لهم من الدخول في الإسلام؛ كقول الأشعري: من كتب الله أن يموت مؤمنًا، فيسمى عند الله مؤمنًا، ولو في حالة كفر سبقت منه، وكذا عكسه فإذا وصف الكافر حال كفره بالإيمان للخاتمة، فلأن يوصف بالإسلام من كان على دين حق لما قدر له من دخوله فيه من باب أولى، انتهى.
هذا ومن خصوصيات الإسلام، أنه يجب ما قبله، أي: يقطع، روى ابن سعد والطبراني،

<<  <  ج: ص:  >  >>