للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لم يحمله غيرهم.

وكان موسى عليه السلام من أعظم خلق الله هيبة ووقارًا وأشدهم بأسًا وغضبًا لله، وبطشًا بأعداء الله، فكان لا يستطاع النظر إليه.

وعيسى عليه السلام كان في مظهر الجمال، وكانت شريعته شريعة فضل وإحسان، وكان لا يقاتل ولا يحاب، وليس في شريعته قتال ألبتة، والنصارى يحرم عليهم في دينهم القتال، وهم به عصاة، فإن الإنجيل يأمر فيه: من لطمك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، ومن نازعك ثوبك فأعطه رداءك، ومن سخرك ميلا فامش معه ميلين، ونحو هذا، وليس في شريعتهم مشقة ولا آصار ولا أغلال.


غيرهم" بسبب ظلمهم، "وكان موسى عليه السلام من أعظم خلق الله هيبة ووقارًا" كسحاب رزانة، "وأشدهم بأسًا" شدة، "وغضبًا لله وبطشًا بأعداء الله، فكان لا يستطاع النظر إليه" لذلك، ونبينا صلى الله عليه وسلم: وإن كان أعظم في كل ذلك منه، لكنه كان يعامل أمته بالرفق واللين، فيقدمون عليه ويكلمونه، "وعيسى عليه السلام كان في مظهر" أي: محل ظهور "الجمال، وكانت شريعته شريعة فضل وإحسان" لا من كل وجه، بل فيها بعض تشديد، لكنها تخفيف بالنسبة لشريعة موسى؛ لقوله "وكان لا يقاتل ولا يحارب، وليس في شريعته قتال البتة، والنصارى يحرم عليهم في دينهم القتال وهم به عصاة" لحرمته عليهم، "فإن الإنجيل" كتابهم، "يأمر فيه" بقوله: "من لطمك" ضربك بكفه، مفتوحة، ويكون على الخد وعلى غيره من الجسد، ولذا قال: "على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر" إشارة إلى عدم الانتقام، "ومن نازعك ثوبك فأعطه رداءك، ومن سخرك ميلا فامش معه ميلين، ونحو هذا" مما كله كناية عن المساهلة مع الناس في الأخذ والعطاء والمعاشرة؛ كما يدل عليه سوقه في مقام تخفيف شرع عيسى، لا الأمر بشيء مما ذكر حقيقة، "وليس في شريعتهم مشقة، ولا آصار، ولا أغلال" تفسيري؛ كما في شرع موسى، فلا يخالف قول ابن الجوزي: بدء الشرائع كان على التخفيف، ولا يعرف في شرع صالح ونوح وإبراهيم تثقيل، ثم جاء موسى بالتشديد والأثقال، وجاء عيسى بنحوه، وجاءت شريعة نبينا بنسخ تشديد أهل اكتاب، ولا يطلق على تسهيل من كان قبلهم، فهي على غاية الاعتدال، فقوله: وجاء عيسى بنحوه ظاهر في خلاف كلام المصنف، لكن يمكن تأويله، بأنه تشديد نسبي، وإن كان بعيدًا يأباه لفظ الإنجيل المذكور، فإن ظاهره أن لا تشديد فيها البتة، فلعل أصل العبارة: وجاء عيسى بضده فتحرفت بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>