للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما النصارى فابتدعوا تلك الرهبانية من قبل أنفسهم ولا تكتب عليهم.

وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فكان مظهر الكمال، الجامع لتلك القوة والعدل والشدة في الله، واللين والرأفة والرحمة فشريعته أكمل الشرائع، وأمته أكمل الأمم، وأحوالهم ومقاماتهم أكمل الأحوال والمقامات، ولذلك تأتي شريعته صلى الله عليه وسلم بالعدل إيجابًا له وفرضًا، وبالفضل ندبًا إليه واستحبابًا، وبالشدة في موضع الشدة، وباللين في موضع اللين، ووضع السيف موضعه، ووضع الندى موضعه، فيذكر الظلم ويحرمه، والعدل ويأمر به، والفضل ويندب إليه في بعض آية، كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] الآية، فهذا عدل.


"وأما النصارى، فابتدعوا تلك الرهبانية" وهي رفض النساء واتخاذ الصوامع "من قبل أنفسهم، ولا تكتب عليهم" أي: لم يؤمروا بها؛ كما قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} الآية، وهو منقطع، أي: لكن فعلوها ابتغاء ... إلخ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا خزم، ولا زمام، ولا سياحة، ولا تبتل، ولا ترهب في الإسلام" رواه عبد الرزاق، وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام"، رواه أحمد وقال عليه الصلاة والسلام: "تزوجوا فأني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى"، رواه البيهقي.
"وأما نبينا صلى الله عليه وسلم، فكان مظهر" بفتح الميم محل ظهور، "الكمال الجامع لتلك القوة، والعدل والشدة في الله، واللين والرأفة، والرحمة، فشريعته أكمل الشرائع، وأمته أكمل الأمم، وأحوالهم ومقاماتهم أكمل الأحوال والمقامات، ولذلك" المذكور من كونه مظهر ... إلخ، "تأتي" بمعنى أتت "شريعته بالعدل"، أي: الحكم المشمل عليه وهو القصد، أي: التوسط في الأمور، ثم تنوع ذلك الحكم إلى واجب وغيره؛ كما قال "إيجابًا له" أي: للعدل بمعنى الحكم، كما علم، "وفرضًا" مساوٍ "وبالفضل ندبًا إليه واستحبابًا" لا فرضًا وإيجابًا كالعفو عن الجاني، "وبالشدة في موضع الشدة" كقتال الكفار ونحوهم، "وباللين في موضع اللين" كالعفو عن الأسارى، "ووضع السيف موضعه، ووضع الندى" أي الخير "موضعه" أي: المحل اللائق به شرعًا، "فيذكر الظلم ويحرمه والعدل ويأمر به، والفضل ويندب" أي: يدعو "إليه في بعض آية؛ كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ، سميت الثانية بذلك لمشابهتها للأولى صورة، وإن كانت عدلا لوقوعها جزءًا، والسيئة هي الفعلة القبيحة.
قال الجلال: وهذا ظاهر فيما يقتص منه من الجراحات، قال بعضهم: وإذا قال له: أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، "فهذا عدل" ولذا قال صلى الله عليه وسلم لهبار بن الأسود: "سب من سبك"، لما

<<  <  ج: ص:  >  >>