للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقصرهم أعمارًا، وأوتوا العلم الأول والآخر، وآخر الأمم فافتضحت الأمم عندهم ولم يفتضحوا.

ومنها: أنهم أوتوا الإسناد، وهو خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة.


عمر مرفوعًا: "إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى انتصف النهار، عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى العصر، ثم عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا، ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتاب: ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن أكثر عملا! قال: هل ظلمتكم من أجركم شيئا؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء".
قال السيوطي: والمراد تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر والعصر في كثرة العمل الشاق والتكليف، وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك، وتخفيفه، وليس المراد طول الزمن وقصره، إذ مدة هذه الأمة أطول من مدة أهل الإنجيل.
قال إمام الحرمين: الأحكام لا تؤخذ من الأحاديث التي لضرب الأمثال، "وأقصرهم أعمارًا" رحمة من الله بهم، وعطفًا عليهم أخرهم في الأصلاب حتى أخرجهم إلى الأرحام بعد نفاذ الدنيا، وجعل أعمالهم قصيرة ليقل التباسهم بالدنيا وتدنسهم بها، وكان الأمم الماضون أعمارهم، وأجسادهم، وأرزاقهم أضعاف ذلك، كان أحدهم يعمر ألف سنة، وحبة القمح ككلية البقر، والرمانة يحملها عشرة، وهكذا، فلطف الله بهذه الأمة ليأخذوا من الدنيا أرزاقًا قليلة بأجسام ضعيفة في مدة قصيرة، لئلا يأروا ويبطروا، ثم ضاعف لهم الحسنات، فجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى ما لا يعلمه إلا الله.
"وأتوا العلم الأول" الذي أوتيه الأمم قبلهم "والآخر" الذي أوتوه، فجمع لهم ما فرق في غيرهم وزيدوا، "وآخر الأمم، فافتضحت الأمم عندهم" بما قص عليهم في القرآن من وقائع بعضهم الشنيعة، ومخالفتهم، وتعنتهم على أنبيائهم، وكفى بقول بني إسرائيل لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} , {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} الآية، وغير ذلك، "ولم يفتضحوا".
"ومنها: أنهم أوتوا الإسناد" وهو حكاية طريق المتن، والسند الطريق الموصلة إلى المتن، وقد يستعمل أحدهما في الآخر, والأمر سهل، "وهو خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة لم يؤتها أحد من الأمم قبلهم، "وسنة بالغة من السنن المؤكدة".
قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وعنه مثل الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>