للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في زمانه بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقصر مجالسة، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهًا وأكثر، حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه ويعدوه عدًا، فهذا من فضل الله على هذه الأمة، فنستودع الله تعالى شكر هذه النعمة وغيرها من نعمه.

وقال أبو حاتم الرازي: لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله تعالى آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذا.


زمانه بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم" لكن هذا الحصر إنما يكون لرواة الصحيح، والحسن؛ إذ الضعيف بأنواع قد رووه كثيرًا، "ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ، فالأحفظ، والأضبط فالأضبط" لما حفظ في صدره، بأن يثبت ما سمعه، بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء، أو بكتابه، بصيانته عنده منذ سمع فيه، وصححه إلى أن يؤدي منه، "والأطول مجالسة لمن فوقه" أي: شيخه "ممن كان أقصر مجالسة" له؛ فإن قدم السماع من أقسام العلو النسبي، "ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهًا" تارة "وأكثر" أخرى، "حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه، ويعدوه عدًا" ويبينوا الألفاظ التي اختلفت فيها الرواة، وعذر أصحاب الحديث في تكثير طرق الحديث، الواحد ليعتمد عليه، إذ المقبول ما اتصل سنده، وعدلت رجاله، أو اعتضد بعض طرقه ببعض حتى تحصل القوة بالصورة المجموعة، ولو كان كل طريق منها لو انفردت لم تكن القوة فيها مشروعة، والإعراض عن ذلك يستلزم ترك العمل بكثير من الأحاديث، اعتمادًا على ضعف الطريق التي فيها مقال، وقد قال عبد الله بن جعفر بن خالد: سألت إبراهيم بن سعيد الجوهري، ابغدادي، يعني شيخ مسلم، وأصحاب السنن، عن حديث لأبي بكر الصديق، فقال لجاريته: أخرجي لي الجزء الثالث والعشرين من مسند أبي بكر، فقلت: لا يصح لأبي بكر خمسون حديثًا فمن أين ثلاثة وعشرون جزءا؟ فقال: كل حديث لا يكون عندي من مائة وجه، فأنا فيه يتيم، "فهذا من فضل الله على هذه الأمة، فنستودع الله تعالى شكر هذه النعمة وغيرها من نعمه" فإنه إذا استودع شيئًا حفظه.
"وقال أبو حاتم" محمد بن إدريس بن داود "الرازي" الحنظلي، عن أحمد وقتيبة، وخلق، وعنه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه وآخرون، قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات، مشهورًا بالعلم، مذكورًا، بالفضل، وثقه النسائي وغيره، قال ابن يونس: قدم مصر قديمًا، وكتب بها، وكتب عنه، مات بالري سنة خمس، وقيل سنة سبع وسبعين ومائتين، "لم يكن في أمة من الأمم مذ" أي: حين "خلق الله آدم أمناء" جمع أمين، "يحفظون آثار الرسل إلا في هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>