"ومنها: أنهم أوتوا تصنيف الكتب، ذكره بعضهم" قال ابن العربي في شرح الترمذي: لم يكن قط في أمة من الأمم من انتهى إلى حد هذه الأمة من التصرف في التصنيف والتحقيق، ولا جاراها في مداها من التفريع والتدقيق، وتصنيف الكتب، وتدوين العلوم، وحفظ سنة نبيهم، أي: أقواله وأفعاله، فتدوين العلوم، وتصنيفها، وتقرير القواعد، وكثرة التفريع وفرض ما لم يقع، وبيان حكمه، وتفسير القرآن والسنة، واستخراج علوم الأدب، وتتبع كلام العرب أمر مندوب إليه، وأهله خير الخليقة. وقال العراقي في شرح المحصول: من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الواحد من أمته يحصل له في العمر القصير من العلوم والفهوم ما لم يحصل لأحد من الأمم السابقة في العمر الطويل، ولهذا تهيأ للمجتهدين من هذه الأمة من العلوم، والاستنباطات، والمعارف ما تقصر عنه أعمارهم انتهى. وقال قتادة: أعطى الله هذه الأمة من الحفظ ما لم يعطه أحدًا من الأمم، خاصة خصهم بها، وكرامة أكرمهم بها، انتهى. "ولا تزال طائفة منهم" أي: من أمة الإجابة "ظاهرين" أي: غالبين "على الحق" منصورين على من خالفهم، واحتمال أن المراد بالظهور الشهرة، وعدم الاستتار بعيد، "حتى يأتي أمر الله" وهو وقوع الآيات العظام التي يعقبها قيام الساعة، ولا يتخلف عنها إلا قليلا. وفي مسلم عن جابر بن سمرة، رفعه: "لن يرح هذا الدين قائمًا، تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة"، أي: إلى قرب قيامها، أو المراد: تقوم ساعتهم وهي حين تأتي الريح فتقبض روح كل مؤمن، فلا تنافي بينه وبين خبر مسلم: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس"، وخبر مسلم والترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله". "رواه الشيخان" من حديث المغيرة بن شعبة، رفعه: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". قال البخاري في الصحيح: والطائفة أهل العلم، وقال النووي في التهذيب: حمله العلماء