وقال النووي أيضًا: يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع الأمة، ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومفسر، ومحدث، وقائم بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم اجتماعهم في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وتفرقهم في الأقطار، وأن يكونوا في بعض دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولا إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله بقيام الساعة. انتهى. وفيه معجزة بيته، فإن أهل السنة لم يزالوا ظاهرين في كل عصر إلى الآن، فمن حين ظهرت البدع على اختلاف نوفها من خوارج، ومعتزلة، ورافضة وغيرهم؛ لم يقم لأحد منهم دولة، ولم تستمر لهم شوكة، بل كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بنور الكتاب والسنة، وزعمت المتصوفة أن الإشارة إليهم، لأنهم لزموا الاتباع بالأحوال، وأغناهم الاتباع عن الابتداع. "ومنها أن فيهم" أي: الأمة "أقطابًا" ولا يلزم منه تعددهم في زمن واحد، فلا يخالف قوله الآتي: والغوث واحد وتصريح غيره بأن القطب واحد كلما مات أبدل، قال اليافعي في الكفاية: سمي قطبًا لدورانه في جهات الدنيا الأربع كدوران الفلك في أفق السماء، وقد سترت أحوال القطب وهو الغوث عن العامة والخاصة غيره من الحق عليه غير أنه يرى عالمًا كجاهل وأبله كفطن آخذًا تاركًا قريبًا بعيدًا سهلا عسرًا آمنًا حذرًا. وقال غيره: الأقطاب جمع قطب وهو الخليفة الباطن وسيد أهل زمانه سمي قطبًا لجمعه جميع المقامات والأحوال ودورانها عليه مأخوذ من القطب، وهو الحديدة التي تدور عليها الرحى ولا يعرف القطب من الأولياء إلا القليل جدًا، بل قال جمع: لا يراه أحد إلا بصورة استعداد الرائين فإذا رآه لم يره حقيقة. وذهب قوم إلى أن مرتبة القطبانية ثقيلة جدًا قل أن يقيم فيها أحد أكثر من ثلاثة أيام، وجمع إلى أنها كغيرها من الولايات يقيم فيها صاحبها لا ينعزل إلا بموت، وأول من تقطب بعد النبي صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة على ترتيبهم في الخلافة، ثم الحسن هذا ما عليه الجمهور، وذهب بعض الصوفية إلى أن أول من تقطب بعده ابنته فاطمة، قال بعضهم: ولم أره لغيره. وأول من تقطب بعد الصحابة عمر بن عبد العزيز، وإذا مات القطب خلفه أحد الإمامين لأنهما بمنزلة الوزيرين له أحدهما مقصور على