للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلب إبراهيم، يدفع الله بهم عن أهل الأرض، يقال لهم الأبدال، إنهم لم يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة قال: فيما أدكروها يا رسول الله؟ قال: "بالسخاء والنصيحة للمسلمين".


إبراهيم" أي: على حال مثل قلبه، فتخصيصه وقلبه لإفادة الصبر على البلاء بذبح الولد الاحتساب بالمولى والرضا مع التلذذ بما يرضاه الحبيب والتحبب إلى الخلق والبذل والكرم، المبادرة إلى التكاليف بأصدق الهم. "يدفع الله بهم عن أهل الأرض". كلها وخبر: "الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون وبهم يرزقون"، رواه الطبراني بسند حسن عن عوف بن مالك ونحوه حديث علي عند أحمد لا يخالفه، لأن نصرتهم لمن هم في جوارهم أتم وإن كانت أعم. "يقال لهم الأبدال إنهم لم يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة". قال: فبم أدركوها يا رسول الله؟ قال: "بالسخاء والنصيحة للمسلمين". ولا يرد هذا على قول أبي طالب في قوله يصير الأبدال أبدالا بالصمت والعزلة والجوع والسهر؛ لأن من بهذه الصفات يتصف بالسخاء والنصيحة. ولابن أبي الدنيا عن علي، قلت: يا رسول الله صفهم لي؟ قال: "ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين ولا بالمتعمقين لم ينالوا ما نالوا بكثرة صيام ولا صلاة، ولكن بسخاء الأنفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم". قال ابن عربي في كتاب حلية الأبدال: أخبرني صاحب لنا قال: بينا أنا ليلة في مصلاي قد أكملت وردي وجعلت رأسي بين ركبتي أذكر الله تعالى إذ أحسست بشخص قد نقض مصلاي من تحتي وبسط حصيرًا بدلها، وقال: صل عليه فداخلني منه فزع، فقال: من يأنس بالله لم يجزع، ثم قال: اتق الله في كل حال ثم ألهمت الصبر، فقلت: بماذا تصير الأبدال أبدالا؟ قال: بالأربعة التي ذكر أبو طالب في القوت الصمت والعزلة والجوع والسهر، ثم انصرف ولا أعرف كيف دخل ولا خرج وبابي مغلق. قال ابن عربي: وهذا رجل من الأبدال اسمه معاذ بن أشرس والأربعة المذكورة هي عماد هذا الطريق وقوامه زمن لا قدم له فيها ولا رسوخ فهو تائه عن طريق الله، قال: وإذا رحل البدن عن موضع ترك فيه بدله حقيقة روحانية تجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الولي، فإن ظهر شوق شديد من أناس ذلك الموطن لهذا الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله فكلمتهم وكلموه وهو غائب عنهم، وقد يكون هذا في غير البدن لكن الفرق بينهما أن البدن يرجع ويعلم أنه ترك غيره، وغيره البدل لا يعرف ذلك وإن تركه، لأنه لم يحكم هذه الأربعة المذكورة، قال: وفي ذلك قلت:
يا من أراد منازل الأبدال ... من غير قصد منه للأعمال
لا تطمعن بها فلست من أهلها ... إن لم تزاحمهم على الأحوال

<<  <  ج: ص:  >  >>