للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد دل شرعنا على أن الإنسان له سعيه، وما سعى له، ومنهم من قال: الإنسان بسعيه في الخير وحسن صحبته وعشرته اكتسب الأصحاب، وأهدى لهم الخير وتودد إليهم فصار ثوابهم له بعد موته من سعيه.

ومنهم من قال "الإنسان" في الآية للحي دون الميت. ومنهم من قال: لم ينف في الآية انتفاع الرجل بسعي غيره له، وإنما نفي ملكه لسعي غيره، وبين الأمرين فرق:

فقال الزمخشري في قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} : فإن


وإبراهيم، "وقد دل شرعنا على أن الإنسان له سعيه وما سعى له" وهذا قول عكرمة.
"ومنهم من قال: الإنسان بسعيه في الخير، وحسن صحبته وعشرته اكتسب الأصحاب" أي: تسبب في وقوع الصحبة بينه وبين غيره، "وأهدى لهم الخير، وتودد إليهم، فصار ثوابهم له بعد موته من سعيه" لأن الدال على الخير كفاعله، وقد انتفع أصحابه منه بمعرفة الخصال الحميدة، فعملوا بها فحصل له بتسببه في حصول ذلك لهم مثل ثواب ما عملوه.
"ومنهم من قال: الإنسان في الآية للحي دون الميت" يعني إن الحي لا يسقط عنه الحج مثلًا ما دام حيًا، يحج غيره عنه بخلاف ما لو فعل عنه بعد موته، فينفعه عند هذا القول.
قال ابن القيم في كتاب الروح: وهذا أيضًا من النمط الأول في الفساد، وكله من سوء التصرف في اللفظ العام، وصاحب هذا التصرف لا ينفذ تصرفه في دلالات الألفاظ وحملها على خلاف موضوعها وما يتبادر إلى الذهن منها، وهو تصرف فاسد قطعًا، يبطله السياق والاعتبار، وقواعد الشرع وأدلته وعرفه، وسبب هذا التصرف السيئ أن صاحبه يعتقد قولا، ثم يرد كل ما دل على خلافه بأي طريق اتفقت له، فالأدلة المخالفة له كالصائل لا يبالي بأي شيء دفعه، وأدلة الحق لا تتعارض ولا تتناقض، بل يصدق بعضها بعضًا، انتهى.
"ومنهم من قال: لم ينف في الآية انتفاع الرجل بسعي غيره له، وإنما نفى ملكه لسعي غيره"، لأن قاتل ذلك يرى أن اللام في الإنسان للملك، وو أخص من مجرد انتفاع الإنسان بمال غيره، وهو المراد هنا؛ فمن تصدق عن غيره مثلا بمال لا يصير المال مقصورا نفعه على من تصدق عنه، بحيث ينتفي ثوابه بالكلية عن المتصدق، وإليه أشار بقوله: "وبين الأمرين فرق" وإذا أردت بيانه، "فقال الزمخشري" ما يفيده "في قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ، فإن قلت: أما صح في الأخبار الصدقة عن الميت والحج عنه"، وهما سعي غيره؟ "قلت: فيه جوابان".

<<  <  ج: ص:  >  >>