وروى الشيخان أيضًا عن سهل بن سعد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن من أمتي الجنة سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف متماسكين، آخذًا بعضهم ببعض، حتى يدخل أولهم وآخرهم، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر". قال السبكي في شفاء الغرام: ظاهر قوله سبعون ألفًا، أنهم لا يزيدون على ذلك، وأنهم كلهم بالصفة المذكورة ورجح غيره أن المراد الكثرة باختلاف الأخبار في المقدار، فروى: "مائة ألف، ومع كل ألف سبعون ألفًا، ومع كل واحد سبعون ألفًا". وليس في الحديث نفي دخول أحد على الصفة المذكورة غير هؤلاء، كالأنبياء، والشهداء والصديقين والصالحين. قال عياض: ويحتمل أن معنى كونهم متماسكين أنهم على صفة الوقار فلا يسابق بعضهم بعضًا بل يكون دخولهم جميعًا. وقال النووي: معناه أنهم يدخلون معترضين صفًا واحدًا، بعضهم بجنب بعض، فيدخل الجميع دفعة واحدة، وفي ذلك إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه، ووصفهم بالأولية والآخرية باعتبار الصفة التي جازوا فيها الصراط، ثم هذا الحديث يخص عموم الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي برزة الأسلمي، رفعه: "اتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن علمه ما عمل فيه، وماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه"؛ لأنه وإن كان عامًا لأنه نكرة في سياق النفي، لكنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب، وبمن يدخل النار من أول وهلة، على ما دل عليه قوله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} ، الآية، قال القرطبي. قال الحافظ: وفي سياق حديث أبي برزة إشارة إلى الخصوص، لأنه ليس كل أحد عنده علم يسأل عنه، وكذا المال، فهو مخصوص بمن له علم ومال دون من لا علم له ولا مال، وأما السؤال عن الجسد والعمر فعام، ويخص من المسئولين من ذكر، انتهى. وجزم ابن عبد السلام؛ بأن هذه الخصوصية لم تثبت لغير نبينا. وقال السبكي: لم يرد فيه شيء بنفي ولا إثبات في الأمم السابقة، واستظهر أبو طالب، عقيل بن عطية أن فيهم من هو كذلك، انتهى، وفيه أن الاستظهار لا دخل له هنا، إذ هو من الأشياء التي لا تكون إلا بمحض النقل. وروى الحاكم والبيهقي عن جابر مرفوعًا: "من زادت حسناته على سيئاته، فذاك الذي