للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر: نفضل من رفع الله درجته بخصائص الحظوة والزلفى، ولا نخوض في تفضيل بعضهم على بعض في سياسة المنذرين والصبر على الدين، والنهضة في أداء الرسالة، والحرص على هدى الضلال، فإن كلا منهم قد بذل في ذلك وسعه الذي لا يكلفه الله تعالى أكثر منه.

وقال الآخر -مما ذكره القاضي عياض-: إن نهيه عليه السلام عن التفضيل كان قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فنهى عن التفضيل إذ يحتاج إلى توقيف، وإن من فضل بلا علم فقد كذب.

قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وفي هذا نظر. انتهى.


قال العلماء: إنما نهى عن ذلك من يقوله برأيه، لا من يقوله بدليل.
"وقال آخر: نفضل" أي: نعتقد فضل "من رفع الله درجته" منزلته "بخصائص الحظوة" بضم الحاء المهملة وكسرها ومعجمة، المحبة ورفع المنزلة، "والزلفى" القربى مصدر بمعنى التقريب، "ولا نخوض" لا نتكلم "في تفضيل بعضهم على بعض" عبر عن المتكلم بالخوض لما فيه من المشقة بلوم الدنيا، وعقوبة الأخرى.
وفي القاموس: خاض الماء دخله، والغمرات اقتحمها، "في سياسة" أمر ونهي "المنذرين" بفتح الذال، القوم الذين أرسلوا إليهم وبينوا لهم عواقب الفواحش، "والصبر على الدين" أي: القيام به، وهو هنا ما شرع من الأحكام التي من جملتها: وجوب تبليغ ما أمروا به، ومنع المخالفين لهم، الخارجين عن الطاعة، "والنهضة" أي: السرعة "في أداء الرسالة، والحرص على هدى الضلال" بضم الضاد وشد اللام، جمع ضال، ويجوز فتحها، والتخفيف بتقدير أهل الضلال، والأول أولى، "فإن كلًا منهم قد بذل في ذلك وسعه الذي لا يكلفه الله أكثر منه"؛ لأنه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .
وقال الآخر مما ذكره القاضي عياض" في الشفاء: "إن نهيه عليه الصلاة عن التفضيل كان قبل أن يعلم" بالبناء للفاعل، أو المفعول، أي: يعلمه الله، "أنه سيد ولد آدم، فنهى عن التفضيل، إذ يحتاج إلى توقيف" أي: إعلام به وأذن فيه، فلا يقدم عليه بالعقل، "وإن من فضل بلا علم" بل بالرأي: المجرد، "فقد كذب"؛ لأنه لا يطابق ما في نفس الأمر، والجملة حالية، أو استئنافية فيه، مقوية لما قبلها.
"قال الحافظ عماد الدين بن كثير: وفي هذا" الذي قاله الجماعة الآخرون "نظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>