للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: منع التفضيل إنما هو في حق النبوة والرسالة، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها على حد واحد، لا تتفاضل، وإنما التفاضل فيزيادة الأحوال والخصوص والكرامات والرتب، وأما النبوة نفسها فلا تتفاضل، وإنما التفاضل بأمور أخرى زائدة عليها، ولذلك كان منهم رسل وأولو عزم، انتهى، وهذا قريب من القول الثاني.


بعضهم عن بعض في الفضل، فلا معنى لأفعل التفضيل إلا ذلك.
"وقيل" مما ذكره عياض أيضًا: "منع التفضيل" بين الأنبياء والرسل، "إنما هو في حق النبوة والرسالة" نفسها لا الأنبياء والرسل، "فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيها"، أي: النبوة "على حد واحد" فرتبتها وقدرها متحد فيهم، إذ هي شيء واحد، "لا تتفاضل" أي: لا يزيد بعضها على بعض، "وإنما التفاضل في زيادة الأحوال" أي: العوارض الطارئة عليها، "والخصوص"، أي: ما خص به بعضهم دون بعض، "والكرامات" التي أكرم الله بها بعضهم، "والرتب" الدنيوية والأخروية، "وأما النبوة نفسها فلا تتفاضل".
قال السنوسي في شرح عقائده: ويدل عليه منع أن يقال لفلان النبي النصيب الأقل من النبوة، ولفلان النصيب الأوفر منها، ونحوه من العبارات التي تقتضي أن النبوة مقولة بالتشكيك، ولا شك أن امتناع ذلك معلوم من الدين بالضرورة بين السلف والخلف، فدل على أن حقيقة النبوة من المتواطئ المستوى إفراده، ولا يلتفت لمن خالف مقتضاه لوضوح فساده.
"وإنما التفاضل بأمور أخرى زائدة عليها" ليست من نفس حقيقتها، كما تبين، وفي ذكره ذلك في النبوة دون الرسالة إيماء إلى الفرق بينهما.
"ولذلك" المذكور من أن التفاضل لأمر زائد، "كان منهم رسل وأولو عزم" أي: شدة وقوة وتصميم على تنفيذ ما يراد به وبغيره. "انتهى، وهذا قريب من القول الثاني" وليس عينه لاختلاف ملحظهما.
وفي فتح الباري قال العلماء: إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك من يقوله برأيه، لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل، بحيث لا يترك للمفضول فضيلة، فالإمام مثلًا إذا قلنا أنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان، وقيل: النهي إنما هو في حق النبوة نفسها لقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} ، ولم ينه عن تفضيل الذوات لقوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: ٢٥٣] .
وقال الحليمي: الأخبار الواردة في النهي عن التخيير إنما هي في مجادلة أهل الكتاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>