للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشواغل والصوارف أشق وأدخل في الإخلاص فيكون أفضل.

والمراد بعوام بني آدم -هنا- الصلحاء لا الفلسفة، كما نبه عليه العلامة كال الدين بن أبي شريف المقدسي، قال: ونص عليه البيهقي في الشعب وعبارته: قد تكلم الناس قديمًا وحديثًا في المفاضلة بين الملائكة والبشر، فذهب ذاهبون إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة، والأولياء من البشر أفضل من


الكمالات" من علم وعمل، ومع ذلك بحصلهما، "ولا شك أن العبادة وكسب الكمال مع الشواغل والصوارف" أي: الموانع، وهي لازمة للشواغل، وكأنه جمع صارف أو صارفة، أي: أمر صارف، أو خصلة صارفة؛ لأن فواعل يجمع قياسًا على فاعل وفاعلة، والمسموع صروف كفلس وفلوس على ما في المصباح.
"أشق وأدخل في الإخلاص، فيكون" الإنسان "أفضل" وفي الأربعين: لأن طاعة البشر أشق؛ لأن الشهوة والغضب والحرص والهوى من أعظم الموانع عن الطاعات، وهذه صفات موجودة في الشر، مفقودة في الملائكة، والفعل مع المانع أشق منه مع غير المانع؛ ولأن تكاليف الملائكة مبنية على النصوص، قال تعالى: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْل} [الأنبياء: ٢٧] ، وتكاليف البشر بعضها مبني على النصوص، وبعضها على الاستنباط، قال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار} [الحشر: ٢] وقال تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] ، والتمسك والاجتهاد والاسنباط في معرفة الشيء أشق من التمسك بالنص، والأشق أفضل نصًا وقياسًا، أما النص، فقوله صلى الله عليه وسلم: "أجرك على قدر نصبك"، وحديث: "أفضل العبادات أحمزها" أي: أشقها، وأما القياس، فلو اشتركت الطاعات السهلة والشاقة في الثواب لخلا تحمل الشاقة عن الفائدة، وتحمل الضرر الخالي عن الفائدة محظور قطعًا، فكان يجب حرمة الشاقة فلما لم يكن كذلك علم أن الأشق أكثر ثوابًا.
"والمراد بعوام بني آدم هنا" في هذا المبحث "الصلحاء" لا ما اشتهر أنهم مقابل العلماء، وما في الأصول؛ أنهم خلاف المجتهدين "لا الفسقة" جعلهم في مقابلة الصلحاء، يقتضي أن كل من لم يرتكب كبيرة، ولم يصر على صغيرة من صلحاء المؤمنين، وإن لم يصل درجة الأولياء، وهو قد ينافي تعريف الولي بالقائم بحق الله والعباد، لكن من هذه صفته قليل.
"كما نبه عليه العلامة كمال الدين بن أبي شريف المقدسي، قال: ونص عليه البيهقي في الشعب، وعبارته: قد تكلم الناس قديمًا وحديثًا في المفاضلة بين الملائكة والبشر" الإنسان سمي به لظهور بشرته، يطلق على الإنسان واحده وجمعه، وقد يثني ويجمع على الإبشار، كما في القاموس، "فذهب ذاهبون إلى أن الرسل من البشر" الذي يدعون الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>