للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العجيبة عالمة بالكوائن ماضيها وآتيها من غير غلط.

والجواب: أن مبنى ذلك على الأصول الفلسفية دون الأصول الإسلامية.

الثاني: أن الأنبياء مع كونهم أفضل البشر يتعلمون ويستفيدون منهم بدليل قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: ٥] وقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: ١٩٣] ولا شك أن المعلم أفضل من المتعلم.

والجواب: أن التعليم إنما هو من الله والملائكة إنما هم مبلغون.


الحديث، ثم حلت به الصفة، واعترضت به الأعراض، فحدث منه العالم، "والصورة" قالوا: وهذه الصفات هي الحجب القوية عن تجلي نور الله، ولا كمال إلا بحصول ذلك التجلي، ولا نقص إلا بحصول ذلك الحجاب، فلما كان هذا التجلي حاصلًا لهم أبدًا، والأرواح البشرية محجوبة عن ذلك التجلي في أكثر الأوقات، علم أنه لا نسبة لكمالهم إلى كمال البشر، والقول؛ بأن الخدمة مع كثرة العوائق أعلى منها بلا عوائق، كلام خيالي؛ لأن المقصود من جميع العبادات والطاعات حصول ذلك التجلي، فأي: موضع كان فيه التجلي أكثر، وعن المعاوق أبعد كان فيه الكمال والسعادة أتم، ولذا قال تعالى في الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ٢٠] ، "قوية على الأفعال العجيبة" لا تستثقل حمل الأثقال، ولا تستصعب نقل الجبال، والرياح تهب بتحريكها، والسحاب تعرض وتزول بتصرفاتها، والزلازل تطوى بقوتها، "عالمة بالكوائن، ماضيها وآتيها من غير غلط"؛ لأنهم ناظرون إلى اللوح المحفوظ أبدًا، فيعملون ما وجد في الماضي، وما سيوجد في المستقبل، "والجواب أن مبنى ذلك" الذي احتجوا به "على الأصول الفلسفية" إذ هم القائلون؛ بأنهم أرواح مجردة، "دون الأصول الإسلامية" القائلين بأنهم أجسام ذات أرواح، والتفاوت في هذا غير مسلم عندنا.
وأما في باقي الصفات المذكورة، فغير مسلمة على ما عرف من أصولنا، قاله الآمدي.
"الثاني: أن الأنبياء مع كونهم أفضل البشر" باتفاق الفريقين، "يتعلمون ويستفيدون منهم بدليل قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: ٥] أي: جبريل، "وقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة: ٣١] ، ولا شك أن المعلم أفضل من المتعلم، والجواب أن التعليم إنما هو من الله، والملائكة إنما هم مبلغون" فلا يلزم تفضيلهم على الأنبياء؛ لأن مجرد كونهم وسائط في التبليغ لا يقتضي التفضيل، ألا ترى أن السلطان لو أرسل إلى الوزير مثلًا رسالة مع بعض أتباع السلطان، لا يلزم منه أن الرسول أفضل من الوزير، ولا مساو له، ولا يلزم أيضًا كون المعلم أعلم، كما ادعوه.
قال الآمدي: آدم كان أعلم منهم، لقوله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، الآيات، والمراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>