"والجواب" على تقدير أن الآية دالة على أن منصب الملك أعلى من المسيح، لكنها لا تدل على أن تلك الزيادة في جميع المناصب، بل في بعضها، فقولك: لا يستنكف من خدمة هذا العالم الوزير، ولا السلطان، إنما يفيد أن السلطان أكمل منه في بعض الأشياء وهي القدرة والسلطة، ولا يفيد زيادته على الوزير في العلم والزهد، فإذا ثبت هذا، فنحن نقول بموجبه، وهو أن الملك أفضل من البشر في القدرة والقوة والبطش، فإن جبريل قلع مدائن قوم لوط، والبشر لا يقدر على ذلك، فلم قلتم بفضل الملك على البشر في كثرة الثواب الذي هو محل الخلاف في المسألة، وكثرته إنما تحصل بنهاية التواضع والخضوع، ووصف العبد بذلك لا يلائم صيرورته مستنكفًا عن العبودية لله، بل يناقضها، فامتنع كون المراد من الآية هذا المعنى، أما اتصافه بالقدرة الشديدة، والقوة الكاملة، فمناسب للتمرد وترك العبودية، وذلك "أن النصارى استعظموا المسيح بحيث يرتفع" وفي نسخة: يرتفع، أي: يتعالى، "من أن يكون عبدًا من عباد الله، بل ينبغي أن يكون ابنًا له" كما قال تعالى: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٢٠] الآية،