للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، فيجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا.

وكتبه نبيًا وآدم بين الروح والجسد، وختم به النبوة والرسالة، وأعلن بذكره الكريم في الأولين والآخرين، ونوه بقدره الرفيع حين أخذ الميثاق على جميع النبيين، وجعل ذكره في فواتح الرسائل وخواتمها، وشرف به المصاقع على المنابر، وزين بذكره أرباب الأقلام والمحابر، ونشر ذكره في الآفاق شرقًا وغربًا، بحرًا.


عليه، ثم أمر العالم السفلي" أي: المؤمنين، "بالصلاة والتسليم عليه" وكل ذلك إبانة لفضله، ورفعًا لذكره، "فيجتمع الثناء عليه من أهل العالمين": بفتح اللام والميم، تثنية العالم "العلوي، و" والعالم "السفلي جميعًا"، وقد أورد على هذا؛ أن المؤمنين شاركوه في ذلك، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: ٤٣] الآية، ومثله كثير في الأحاديث، كحديث: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف"، وأجيب؛ بأن الآية الأولى نزلت أولًا من غير مزاحم فيها، مع التأكيد بأن والاسمية، وتمييزه بمجموع ما ذكر، فبان بها فضله، ورفعه على غيره.
وقد أخرج عبد بن حميد عن مجاهد، قال: لما نزلت: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي} ، قال أبو بكر: يا رسول الله ما أنزل الله عليك خيرًا إلا أشركنا فيه، فنزلت: {هوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} .
وقال الإمام الرازي: صلاة الملائكة على المؤمنين بطريق التبعية لصلاته تعالى عليهم، فتأخر ذكرها، وصلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الأصالة، ففيها تفضيله على غيره، كما إذ قيل يدخل فلان وفلان، فإنه يدل على تقديم الأول، بخلاف فلان وفلان يدخلان. انتهى، ولا يرد بأن الواو لمطلق الجمع بلا ترتيب؛ لأن ملحظه؛ أن التقديم الذكري يشعر بالاهتمام، والتقديم لا من حيث الواو.
"وكتبه نبيًا وآدم بين الروح والجسد" كما مر مبسوطًا في المقصد الأول، "وختم به النبوة والرسالة" فلا نبي بعده، ولا رسول، "وأعلن بذكره الكريم" أي: أظهره "في الأولين والآخرين، ونوه" رفع "بقدره الرفيع" العالي، "حين أخذ الميثاق على جميع النبيين" كما قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: ٨١] ، "وجعل ذكره في فواتح الرسائل وخواتمها، وشرف به المصاقع" بالصاد المهملة والقاف، الخطباء الفصحاء البلغاء، جمع مصقع بكسر الميم، "على المنابر" جمع منبر من النبر، وهو الارتفاع، "وزين بذكره أرباب الأقلام والمحابر" جمع محبرة بفتح الميم والباء، أو فتحها وضم الباء، أو كسرها وفتح الباء؛ لأنه آلة،

<<  <  ج: ص:  >  >>