للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأسف على كفر هؤلاء، فإنما أنزلنا عليك القرآن لتذكر به من آمن، فمن آمن وأصلح فلنفسه، ومن كفر فلا يحزنك كفره، فما عليك إلا البلاغ وهذا كقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} {فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} .

ورابعها: أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة، وفي ذلك الوقت كان صلى الله عليه وسلم مقهورًا مع أعدائه" الكفار" "فكأنه تعالى قال: لا تظن أنك تبقى على هذه الحالة" بل يعلو أمرك ويظهر قدرك، فإنا ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، أي: لتبقى شقيًا، بل تصير معظمًا مكرمًا، زاده الله تعالى تعظيمًا وتكريمًا.


قال: "يحتمل أن يكون المراد لا تشق نفسك ولا تعذبها بالأسف" الحزن والحسرة "على كفر هؤلاء" فهو كقوله: لا تذهب نفسك عليهم حسرات، "فإنما أنزلنا عليك القرآن لتذكر": تعظ "به من آمن فمن آمن وأصلح" عمل الصالحات من الفرائض وغيرها، "فلنفسه"؛ لأن ثمرته عائدة عليه، وإن كان للنبي أجره أيضًا، "ومن كفر فلا يحزنك كفره"، لا تهتم لكفره، "فما عليك إلا البلاغ"، وليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء، "وهذا كقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِع} قاتل {نَفْسَكَ} ولعل الإشفاق، أي: أشفق على نفسك أن تقتلها {أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} لئلا يؤمنوا أو خيفة أن لا يؤمنوا، وكقوله: "ولا يحزنك كفرهم".
"ورابعها" وهو من نمط الثالث لا سبب النزول، كما يوهمه المصنف، "أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة، وفي ذلك الوقت كان صلى الله عليه وسلم مقهورًا مع أعدائه" الكفار، "فكأنه تعالى قال: لا تظن أنك تبقى على هذه الحالة" التي هي قهر الأعداء، "بل يعلو أمرك ويظهر قدرك، فإننا ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، أي: لتبقى شقيًا" متعبًا مقهورًا، والشقاء شائع بمعنى التعب، ومنه أشقى من رائض المهر، أي: أن معالجة المهارة شقاوة لما فيها من التعب، "بل تصير معظمًا مكرمًا، زاده الله تعالى تعظيمًا وتكريمًا" كما إلى هذه الإشارة بقوله: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: ٣] ، أي: لكن تذكيرًا لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالأنوار، أو لمن علم الله أنه يخشى بالتخويف، فإنه المنتفع به، ومن خشي صار المصطفى لديه معظمًا مكرمًا كما وقع ذلك للصحابة حتى كانوا عنده، كأنما على رؤوسهم الطير، ولا يحدون النظر إليه، وكان أحب إليهم من أنفسهم.
قال البيضاوي: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} ، خبر طه إن جعلت مبتدأ على أنه مؤول بالسورة، والقرآن فيه واقع موقع العائد، وجواب إن جعلت مقسمًا به، ومنادى له إن جعلت نداء واستئناف إن كانت جملة فعلية او اسمية بإضمار مبتدأ، أو طائفة من الحروف محكية.

<<  <  ج: ص:  >  >>