للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذ الله الميثاق منهم يجب عليهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه، وكان الأنبياء عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم من جملة الأموات، والميت لايكون مكلفًا، فتعين أن يكون الميثاق مأخوذًا على الأمم، قالوا: ويؤكد هذا، أنه تعالى حكم على الذين أخذ عليهم الميثاق أنهم لو تولوا لكانوا فاسقين، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء، وإنما يليق بالأمم.

وأجاب الفخر الرازي: بأن يكون المراد من الآية أن الأنبياء لو كانوا في الحياة لوجب عليهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. ونظيره قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] ، وقد علم الله تعالى أنه لا يشرك قط، ولكن خرج هذا الكلام على سبيل التقدير والفرض، وقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٦] وقال في


"واحتج له بأن الذين أخذ الله الميثاق منهم يجب عليهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه، وكان الأنبياء عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم من جملة الأموات" لا يرد عيسى وإدريس على حياتهما، والخضر على حياته ونبوته؛ لأن الحكم للأكثر، "والميت لا يكون مكلفًا، فتعين أن يكون الميثاق مأخوذًا على الأمم، قالوا: ويؤكد" أي: يقوى "هذا" القول؛ "أنه تعالى حكم على الذين أخذ عليهم الميثاق، أنهم لو تولوا لكانوا فاسقين" بقوله تعالى بعد ذلك: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون} [آل عمران: ٨٢] ، "وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء" أي: لا يجوز عليهم، "وإنما يليق بالأمم" لجوازه عليهم.
"وأجاب الفخر الرازي" وفي نسخة: وأجاب القفال، والظاهر فسادها، وفي أخرى: وأجيب، "بأن يكون المراد من الآية أن الأنبياء لو كانوا في الحياة لوجب عليهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم" كما قال: "لو كان موسى حيًا ما وسعه"، إلا اتباعي، "ونظيره قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] ، وقد علم الله تعالى؛ أنه لا يشرك قط، ولكن خرج هذا الكلام على سبيل التقدير والفرض" والمراد به تهييج الرسل، وإقناط الكفرة والإشعار على حكم الأمة، والخطاب باعتبار كل واحد.
"وقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّل} النبي، {عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} بأن قال علينا ما لم نقله، سمي الافتراء تقولًا؛ لأنه قول متكلف، والأقوال المفتراة أقاويل، تحقيرًا لها، كأنها جمع أفعولة من القول، كأضاحيك، {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: ٤٤] ، أي: نياط قلبه بضرب عنقه، وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك ممن يغضبون عليه، وهو أن

<<  <  ج: ص:  >  >>